شمال شرق آسيا
د. عامر البوسلامة
مجموعة من الشباب الغض، يجتمعون كل يوم، كأنهم حلقة باب قديم أحكمت أطرافها، حتى ما عدت تميز، المبتدا من المنتهى، الصرامة طبعهم، والحكاية أنيسهم، وحب الحاضر ديدنهم، والكلام عن المستقبل سلوتهم، ولا يخلوا مجلسهم من بعض الملح، وتلاوة الأشعار، والتندر بالأمثال.
وفي خاصرة مجلسهم، ( وفيق)، شاب طموح، متهدل الهمة، قليل المروءة، جامد القسمات، ثقيل الدم، كأنه من شباب (أونرنا) ، لكن يصبرون على طباعه، ليحملوها، على حسن طباع أخرى، فالرجل كريم للغاية، كأنه من نسل حاتم الطائي.
لا يتوانى في الحديث عن الماضي، كل حياته فيه، ويكاد أن لا يخلو حديث من أحاديثه، عن أبيه وجده، وخاله وعمه، وأخيه وابن عمه، فالشاب مغرق في التاريخ، ومنغمس بحب أمجاد من سبق من أسرته.
- اليوم قرأت مقالة عن الاستشراف.
وفيق - كان جدي يحب هذه الوجبة.
- بالأمس شاهدت برنامجاً رائعاً، عن التحليل النفسي.
وفيق – أبي كلمني عنه كثيراً.
- الدكتور حمودة، من أروع من عالج قضية ، أنماط الشخصية.
وفيق – خالي شخصية متميزة، في البلد، ونادر المثال، ولا أظن أن أحداً كمثله في هذا الباب، يحب الحلوى كثيراً.
- الواقع أن الشعر، وقراءة المتنبي خاصة، تنمي الذوق الأدبي، وترتفع بالمرء، إلى مصاف المبدعين.
وفيق – أحد أجدادي، كان كلامه شعراً، وكأنه لم يخلق لغير هذا .
- أحب الروايات الطويلة، المليئة بالأحداث، والشخوص.
وفيق – كتب عمي الكبير رواية عالمية، لكنها فقدت، والأسرة تبحث عنها منذ نصف قرن.
- يا شباب، إن بناء الحضارة، بمفهومها الشامل، أساس قيام المجتمعات المتقدمة.
وفيق – هل تعلمون، من صاحب فكرة بناء بغداد؟
- من ؟
وفيق – أحد أجدادي!!
- أحد أجدادك ؟؟!!!
وفيق – نعم أحد أجدادي لأمي.
- ( بتهكم، وضجر) : ألم يشارك جدك، في بناء الإهرامات؟ أو ساهم في بناء سور الصين؟
وفيق – بنبرة جادة: لا أدري بالضبط، ولكن ليس غريباً، سأبحث في الأمر، وأعتقد أنه كان مشاركاً بالفكرة على الأقل.
- ولا تنس أن تبحث عن دور أجدادك، في بناء الجنائن المعلقة، وربما واحد منهم، هو من شيد أبراج ( كولالامبور)، أو مسجد الفاتح، أو مدرسة الأشاعر بزبيد أو,,,,أو.
وفيق مقاطعاً- سأبحث عن الموضوع، وغداً لنا لقاء، لكن بالتأكيد أن من خطط مدينة زبيد، هو أحد أجدادنا.
- هل تعرف، أين تقع زبيد؟
وفيق – نعم هي في شمال شرق آسيا.