عِتْرِيس
قصص أقصر من القصيرة (21)
على الرغم من أنّ عدداً من المغامرين، لم يسلموا من شراسة ذاك الكلب المتأهّب دائماً.. فإنّ (عبد الرحيم) كان الشخصَ الوحيد، الذي بإمكانه أن يشفعَ لمن يضطرّ عبور بستان العمّ (أبي العز)، الذي يحرسه الكلب الضخم النشيط: (عِتْرِيس)!..
نظر العمّ (أبو العز) غير مصدِّقٍ إلى (عبد الرحيم)، الواقف إلى جانب (عِتْرِيس)، يمسح بيده اليمنى على رأسه وعُنُقِه، فيما عينا الأخير تضيقان وتَـتّسعان، تماشياً مع حركة يد (عبد الرحيم)، الذي بدا وكأنه يتذكّر حَدَثاً مهماً:
(ذات يومٍ تَمّوزيّ، صادفتُ جَرواً يلفظ أنفاسه من العطش، فرمال البادية بدت حينئذٍ، وكأنها رماد جمراتٍ حامية، لكن مع ذلك، تمكّنتُ من التخلّي عن بضعِ جرعاتٍ من الماء الذي كنتُ أحمله على كتفي، في (قُربةٍ) متوسطة الحجم.. تلك الجرعات كانت كافيةً لإنعاش الجرو الضعيف المسكين ذي الأذُن اليسرى المشقوقة، فعادت إليه الحياة –بإذن الله- بعد أن كادت تفارقه)!..
* * *
يا لسعادة العمّ (أبي العز)، حين عثر على حارسٍ أمينٍ قويٍ لبستانه، هو هذا الكلب الضخم، وها هو ذا الحارسُ الأمين، لا يهدأ إلا على يدي (عبد الرحيم)، ولا يرتاح إلا حين يَدُسُّ رأسَه في حضنه الدافئ!..
* * *
حملق (عبد الرحيم) في وجه صاحبه الحارس الأمين (عِتْرِيس)، متفحّصاً الصيوانَ المشقوقَ لأُذُنه اليسرى.. قائلاً:
- أنتَ لستَ أميناً.. ولستَ قوياً.. ولستَ ضخماً.. فحسب، فأنتَ وَفِيٌّ أيضاً يا (عِتْرِيس)!..
أشار العمّ (أبو العز) بسبّابته إلى صاحبَيْه وهو يهزّ رأسَه قائلاً:
- ليتَ بعضَ الناس مثلُ (عِتْرِيس).. ليتَ بعضَ الناس مثلُ (عِتْرِيس)!..
قفز (عِتْرِيس) مُخَلِّصاً رأسَهُ من حضن (عبد الرحيم)، مُزَمجِراً، مُعتَرِضاً طريقَ عربةٍ تتقدّم باتجاه باب البستان، عليها ثلاثةُ رجال، ويَجرّها حصانان!..
وسوم: العدد 744