جُدرانُ الهيئة تتصدّعُ في إدلب
على الرُّغم من أنّها سمةٌ في الحالة السورية، إلاّ أنّ ما تشهدُه هيئة تحرير الشام من التشظّي، أمرٌ فاق ما سبقَه، ممّا كان في الفصائل الأخرى.
و حتى لا تكون العودة في الحديث إلى الوراء كثيرًا، حيث ثنائية ( داعش و النصرة ) أواخر سنة 2011، أو إلى 28/7/2016، عندما غدت جبهةُ النصرة جبهةَ فتح الشام، في محاولة من الجولاني النأي بها عن التصنيف الأمريكي، بإضافتها إلى قائمة العقوبات للكيانات والأفراد، التابعة لتنظيم القاعدة، وفق القرار الأمريكي في شهر 12/ 2012، و قرار مجلس الأمن في: 30/ 6/ 2013.
سيكون مبتدأ الحديث عن تشظيها، فيما بعد 28/5/ 2017، عندما قرّرت عدة فصائل ( جبهة فتح الشام، و حركة نور الدين الزنكي، و جيش السُّنة، و أنصار الدين، و لواء الحق ) حلَّ نفسها، و الاندماجَ في فصيل واحد، تحت اسم ( هيئة تحرير الشام )، بقيادة هاشم الشيخ ( أبو جابر )، قائد أحرار الشام.
فمنذُ ذلك الحين و هي تعاني من هشاشة بنائها التنظيمي، فلم يتوقف الأمر عند ظاهرة انشقاقات الكتائب، كـ ( كتيبة ابن تيمية، و جيش الأحرار، و الزنكي، و جند الملاحم، و جبهة أنصار الدين، و أسود الرحمن، جيش أسود الإسلام، و الشهيد فراس أبو أيمن، و الشهيد محمد ياسين نجار، و شهداء الوسطاني، و الفاروق )، و ذلك في ردة فعل على تغيبهم من قادة الهيئة، و أميرها العسكري (الجولاني) عن جلّ الأمور المفصلية، و جعلهم مطيّة لهم و أداة بأيديهم، و زجّهم بأمور مبهمة، لا ناقة لهم فيها و لا جمل، و خيبة أملهم في الوعود التي قطعها لهم أبو جابر بحزمة إصلاحات تشمل بنية الهيئة، و تعيينات جديدة تعيد لها التوازن و تعزّز الثقة فيها.
فقد طالت الانشقاقاتُ الحلقةَ الضيقة فيها، و تأكّد خبرُ استقالة أبي جابر الشيخ، بإعلان مجلس الشورى تعيين أبي محمد الجولاني قائدًا عامًا لها، بعد قبول استقالة أبي جابر الشيخ من هذا المنصب، في: 1/ 10/ 2017،؛كردة فعل منه على ما أُشيع عن هيمنة الجولاني على مفاصل القرار في الهيئة، و اتخاذه دريئة لكثير من القرارات المفصلية التي أثارت نقاشًا سلبيًا في الحواضن الشعبية.
ثم طالت في مرحلة أخرى حلقةَ الشرعيين، حيث استقال ابتداءً، الشيخان السعوديان: عبدالله المحيسني و مصلح العلياني، عقب التسريبات الصوتية في: 10/ 9/ 2017، التي كشفت النوايا المبيتة عن صيال الهيئة على أحرار الشام، و الاستخفاف و الازدراء بالشرعيين، و وصفهم بالمرقّعين و المبررين قرارات أمرائها، و بسبب غلبة القرار العسكري فيها على الرأي الشرعي، في مسائل الاقتتال بين الفصائل، و قد أحدثت استقالتهما ضجة كبيرة في الأوساط السورية.
ثم جاءت استقالة أبي عبد الله الشامي ( عبد الرحيم عطون )، المرجع الشرعي فيها، و تعليق عمله في جميع المناصب، في: 27/ 5/ 2018.
وأوضحت مصادر مطلعة إلى أنّ ( العطون ) قد اتخذ قراره بالانشقاق، بسبب التخبط في الرؤية السياسية للجولاني، و اضطراب الأوضاع الداخلية للهيئة على مختلف المستويات التنظيمية و العسكرية، و افتقادها لرؤية مستقبلية واضحة للساحة السورية، لافتًا النظر إلى أن استقالته جاءت للمحافظة على مشروع الهيئة، و ضمان وصولها لأهدافها، و تحقيق مطالب الشعب السوري.
و تعد هذه الاستقالة الأبرزَ على مستوى الهيئة، فقد وصفها المراقبون بالأكثر لفتًا للأنظار، و إثارةً للنقاش؛ كونه أحدَّ أبناء المنطقة، و شقيق أبي الخير طعوم ( أحد مؤسسي حركة أحرار الشام )، و شغل قائد حركة الفجر الإسلامية، التي اندمجت مع عدة فصائل ( جيش المجاهدين، و كتيبة الأنصار، و الكتيبة الخضراء، و حركة شام الإسلام ) تحت مسمى جبهة أنصار الدين، و هو بطل المباهلة التي وقعت بين جبهة النصرة، و أبي محمد العدناني، المتحدث الرسمي لداعش في 2014، و لما عرف عنه من حماسه و دفاعه الشديد عن الجولاني، فهو من أبرز المؤيدين لفك ارتباط النصرة عن تنظيم القاعدة، حيث هاجم في شهر: 12/ 2017، أيمن الظواهري، ردًا على بيانه بعدم فك الارتباط بين جبهة النصرة و تنظيم القاعدة، فهي لم تعقد بيعة للقاعدة، بل جددتها بناء على تبعيتها السابقة لداعش.
و هو الذي نافح عن الهيئة في وجه معارضيها من الهيئات الشرعية، و كان آخرَها هجومُه على المجلس الإسلامي السوري، بسبب الانتقادات والتساؤلات، التي تم توجيهها لـلهيئة مؤخرًا.
و لكونها جاءت عقب جملة من الأحداث المفصلية التي شهدها الملف السوريّ، منها: التدخل التركي في إدلب، كأحد مخرجات ( أستانا 8 )، و التقدّم المفاجئ لقوات النظام و حلفائه في ريف إدلب الشرقي، و حلب الجنوبي، و الانسحاب الدراماتيكي للهيئة أمامه.
و هو الأمر الذي أحدث خلخلة في صفوفها، و قاد إلى جملة من التداعيات على متانة جدرانها، و فُسِّر على أنّه انخراط من قادتها في النقاشات السياسية التي يشهدها الملف السوريّ، ضمن تفاهمات الثلاثي ( الروسي ـ الإيراني ـ التركي )، و القرارات الأممية الأخرى ذات الصلة.
علّها تُجدي نفعًا في للنظر إليها كطرف رئيسيّ يصعب الاستغناء عنه، ولاسيما بعد إمساكها بالملف الأمنيّ، بشكلٍ يطمئنُ كثيرًا من الأطراف الخارجية، المنخرطة في الملف السوريّ.
وسوم: العدد 758