إيران تهرول نحو البيروسترويكا الجزء الأول
ماذا يجري في إيران ؟ هل هو بيروسترويكا على الطريقة السوفياتية ؟.
المشهد معقد، ولاسيما وأن الاحتجاجات مستمرة، والصراع إلى تأجيج ، والظروف إلى مزيد من التدهور، وخامنئي يقدم اعتذاره على المصائب التي ارتكبها هو وملاليه القابضين على جمر القرارات المصيرية، والشعب غير مكترث ببكاء خامنئي الذي وصفته الجماهير هناك ببكاء التماسيح .
المشهد السياسي في إيران محبط بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، انهيار اقتصادي وبطالة وفقر ومجاعة ومخدرات ودعارة ومشكلة مياه وجفاف وانهيار غير مسبوق على العملة، وسطو على مدخرات الناس، ووقف دفع رواتب لقطاعات كاملة، وثورة على الحجاب، و مهاجمة علنية لقيم الثورة، وصيحات تتمنى موت خامنئي وروحاني و رحيل النظام بكامله ، وأحلام تتمنى عودة شاه إيران من جديد ... باختصار كل المعطيات على الأرض تتسارع لتغذي المناخ التصادمي وتنبئ بالتوجه نحو حالة من تفجر للفوضى غير المسبوقة .
مصيبة إيران في نظامها الثوري ...
إيران الدولة والثورة تصم أذانها، وهي مشغولة بمغامراتها الخارجية غير المحسوبة و المحسومة لغاية الساعة، صرفت عشرات المليارات على حروبها ونزواتها لخارجية، فما يجري لإيران ليس مؤامرة خارجية حاكتها قوى الاستكبار كما يقول الملالي وحرسهم الثوري، فالشعوب المقهورة التي تعيش في إيران ساخطة وناقمة وحاقدة، والأجنحة المتصارعة بسياساتها تدفع نحو الانفجار في أية لحظة، ما حدا برئيس الشورى الإيراني مهدي كروبي القابع تحت الإقامة الجبرية يقول : إن إيران تتجه نحو حرب أهلية ، المجتمع في إيران بات برمته على صفيح ساخن والمضحك المبكي أن النظام ساخط وناقم على مختلف الطوائف الإثنية والعرقية والطائفية والمذهبية بل وعلى نفسه وعلى أبناء جلدته، فتبنى الحل الأمني القمعي للتعامل مع مطالب الشعب وتطلعاته، وبدأت عجلة الفتوى بالعمل لتطلق على الاحتجاجات العمالية بالكفار اللذين يعصون الأوامر المقدسة لولي الفقيه، وبدأ يتحدث بكثافة في إعلامه عن قيام أميركا وإسرائيل والسعودية داعش بالقرب من حدوده عبر أفغانستان، لاستهدافها، كل ذلك لتسويغ قبضته الأمنية الضاربة، والترويج لفكرة دبلوماسية المخاطر للفت أنظار الداخل نحو الخارج، واعتبار أية احتجاجات أو اعتصامات سلمية بمثابة عمليات إرهاب وتخريب تخدم قوى الاستكبار الداخلي والخارجي " الإقليمي والدولي " على حد سواء .... .
بموازاة ذلك عاشت المنطقة والعالم حالة من الاستنفار الإعلامي لمواكبة الحدث الإيراني عسى الله أن يخلصها من نظام الملالي " فراعنة العصر "، وقد استخدمت في ذلك الأدوات الإعلامية الناعمة لفهم مسار الأحداث، في محاولة لتفسير صورة ما يجري على الأرض في الجغرافيا الإيرانية .
في الحقيقة الدول العربية لم تنهج سياسة إيران؛ فهي لم تدعم أو تحرك القوى المعادية للنظام الإيراني بالمال والسلاح والدعم ألاستخباري واللوجستي، وكان بإمكانها القيام بذلك دعماً للتظاهرات والاحتجاجات، وإغراق إيران في أتون حرب داخلية، لكن الأخلاق العربية تأبى ذلك كما يبدو .
الاحتواء والتكيف المستحيل :
الحالة الإيرانية تعيش وضعاً غير مسبوق من الصراع على السلطة، وأصبحت تأخذ مسارات غير تقليدية، كمدى شرعية المرشد "علي خامنئي " وكل نظام ولاية الفقيه بمجمله؛ خاصة مع الفيلم الدرامي الذي تم تسريبه والذي يوضح كيفية استلامه زوراً وبهتاناً لمنصب الإرشاد كخليفة للخميني في العام 1989، حيث كان رفسنجاني صاحب اليد الطولى في وصول خامنئي، وظل خامنئي أسير الدور الذي أداه رفسنجاني له، ثم انقلب السحر على الساحر بعد خشية خامنئي من نفوذ رفسنجاني ، على اثر ذلك حاول رفسنجاني تغيير قواعد لعبته السياسية؛ فوقف مع مطالب الشارع الإيراني، معلناً تحالفه مع كبار الإصلاحيين، فدعم أولاً الرئيس محمد خاتمي، ثم وقف مع مير حسين موسوي زعيم الحركة الخضراء، وساند رئيس مجلس شورى الإيراني مهدي كروبي، وجل هؤلاء باتوا تحت الإقامة الجبرية لغاية كتابة هذه السطور . بموازاة ذلك قرر المرشد دعم نجاد ضد رفسنجاني نكاية به ولكسر شوكته ، إلى جانب تقديم رفسنجاني وعائلته كنموذج للفساد المالي والأخلاقي، وتم تصويرهم كأمراء للصفقات والتجارة المشبوهة، فتم توجيه الإعلام المحافظ بشكل غير مسبوق الترويج لهذه الصورة على نطاق واسع، بدوره صعد رفسنجاني ليس من خطابه الإعلامي، بل بدأ باقتراح حلول جديدة ، هدفها الإطاحة بنظام ولاية الفقيه، على إثرها قرر خامنئي التخلص منه بعد تجاوزه الخطوط الحمراء، وهذا ما برز في لقاء فائزة رفسنجاني التي تحدثت بشكل واضح عن تصفية والدها، واتهام المرشد ضمناً بإصدار أمر بذلك، هذا القرار جاء إثر اقتراح رفسنجاني منصب مجلس شورى القيادة ليكون شكل الحكم القادم في إيران في تحدي واضح لخامنئي ومؤسسات الثورة، وتأبيناً للمرشد قبل وفاته .
الهرولة بثبات نحو البيروسترويكا :
يجب أن نعتبر أولاً أن ما حصل، ويحصل في إيران اليوم هو صراع طاحن بين أجنحة النظام وديناصوراته، وهذا لا يلغي أبداً وجود حراك شعبي وسياسي إيراني يريد تغييراً جذرياً داخل بنية وهيكل النظام ، لدرجة أنها تنسف مرتكزاته وأسسه ومبادئه، بعد الفشل الذريع الوصول إلى مرحلة التكيف مع الظروف والمتغيرات الداخلية والخارجية، ومعالجة التقصير الحاصل بين الرأس والقاعدة، واعتماد خطاب ثوري عاف عليه الزمن لإقناع الجماهير الغاضبة التي كفرت بالثورة الإيرانية، مع انعدام وجود رؤية وبرنامج واضح للإصلاح، وعجز النظام عن اقتراح أية مبادرة للخروج من الأزمة الطاحنة التي تعيشها إيران .
تعيش إيران اليوم معركة مصيرية متعددة الاتجاهات، عنوانها الهرولة نحو الانهيار؛ حيث بات من شبه المستحيل إنقاذها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً...، وهو ما جعل الرئيس روحاني يبادر إلى ضرورة الإسراع في تفعيل المادة 59 للاستفتاء على سياسات النظام وجوانب الاختلاف لامتصاص نقمة الجماهير الشابة التي تشكل عماد الشعب الإيراني المقهور، والمتعطشة للتغيير ولو بإسقاط النظام الذي انتهت فترة صلاحيته إلى غير رجعة، وبات معه الانتقال قسراً إلى البيروسترويكا شبه مؤكد .....
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 761