أيشيع فينا التحرش فنشرع له قانونا ونحن خير أمة أخرجت للناس وأمة الغض من الأبصار يا حسرتاه ؟
أيوجد التحرش في خير أمة أخرجت للناس وهي تتلو قول الله عز وجل : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضرين بخمرهن على جيوبهن )) ؟ أتوجد في هذه الأمة آفة التحرش وهي الأمة التي من المفروض أن يتعلم منها الناس المكارم الأخلاق لأن أخرجت لهم لتكون شاهدة عليهم ؟ أيعقل أن تضطر هذه الأمة لاقتباس قانون يردع المتحرشين من غيرها من الأمم التي لم تبلغ شأوها في العفة ، وذلك بالغض من الأبصار الذي فيه صيانة للأعراض فلا تنتهك حرمتها الأبصار.
فعندما نتأمل قول الله عز وجل : (( ذلك أزكى لكم إن الله خبير بما يصنعون))بعد ما أمر عباده المؤمنين بالغض من أبصارهم وحفظ فروجهم ، نجد أن اسم التفضيل أزكى من فعل زكا يزكو زكاة وصيغته تفيد قوة التزكية دل على الأليق والأنسب بهم لأنهم أهل إيمان ،لا يليق بهم أن يستبيحوا ذكورا وإناثا أجساد بعضهم البعض بأبصارهم بدافع الشهوة الجنسية التي وراءها غريزة عمياء تلح في طلب الإشباع . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة ، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع ،واللسان زناه الكلام ، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي ،والقلب يهوى ويتمنى ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " فمن خلال هذا الحديث تفهم الحكمة من أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بالغض من أبصارهم ذلك أن النظر هو أو إجراء من إجراءات الزنا ، حيث يقع الزنا من العيون قبل أن يقع من باقي الجوارح التي ورد ذكرها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا كان أول إجراء احترازي من الوقوع في فاحشة الزنا هو الغض من الأبصار، وهو أزكى للمؤمنين والمؤمنات أو أنسب لهم ، وهو أدب شرعي في غاية الأهمية يبعد النفوس عن التطلع إلى ما قد يوقعها في الحرام . ولإدراك كيف يكون الغض من الأبصار أزكى للغاض نستعرض الحال التي يكون عليها من لا يغض ، والتي لا تخرج عن أحد أمرين : فإما أن يكون الناظر إلى ما حرم الله فقيرا محروما أو يكون غنيا محظوظا . أما الأول فيترتب بداية عن عدم غضه البصر معاناته الكبيرة من الحرمان لأنه ينظر إلى ما لا سبيل له إليه ولا قدرة له عليه ،وهو تحت وطأة غريزة جنسية ملحة لا ترحم ، وكفى بهذا عذابا يكابده . وقد يدفعه حرمانه إلى التفكير في بلوغ غرضه عن طريق الاعتداء على من أثار غريزته إما بالتحرش أو بالاغتصاب ، فإن لم يقدرعلى ذلك مع الكبار الراشدين ، فكر في الاعتداء على القاصرين، بل ربما دفعه إلحاح غريزته العمياء إلى التفكير في مواقعة حتى البهائم ، فينحط حينئذ إلى الدرك الأسفل من الدناءة . وقد يصنع أيضا ما لا يخطر على بال من قبيل ما تضمنه شريط مسموع تناقلته مؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي يبوح فيه أحد العاملين بإحدى المصحات لمن كان يحاوره عبر الهاتف على ما يبدو أنه فتن بجمال فتاة فارقت الحياة ، فضاجعها وهي ميتة في مستودع الأموات ،ثم إنه دأب بعد ذلك على هذا الفعل الشنيع عدة مرات مع أخريات فارقن الحياة . هذا حال من لا يغض البصر إذا كان لا يستطيع الباءة ، أما من يستطيعها، فقد يدفعه عدم الغض من بصره إلى التفكير في إشباع غريزته الملحة التي يثيرها النظر إلى استعمال ماله لهتك الأعراض ، ويشجع بذلك على إشاعة الفاحشة في المجتمع مستغلا حاجة وفقر ضحاياه إلى ماله .
هذا بعض ما يحتمل أن يقع فيه الذين لا يغضون من أبصارهم أو بعبارة أخرى بعض ما يصنعونه من الصنيع القبيح الذي أخبر الله تعالى أنه سبحانه به خبير .
وإذا ما استعرضنا كل أشكال التحرش التي ورد ذكرها في القانون 103.13 الخاص بمحاربة العنف ضد النساء نجد أن سببها هو عدم الالتزام بأمر الله تعالى الغض من الأبصار ، ذلك أن إجالة النظر فيما حرم الله عز وجل يكون سببا مباشر في مضايقة الغير بأفعال أو أقوال أو إشارات جنسية كما ورد في ديباجة هذا القانون. ولو التزمنا بأمر الله تعالى الغض من أبصارنا لكنا إسوة تتأسى بنا الأمم في عفتنا ، وأخلاقنا الراقية عوض أن نكون تابعين مقلدين لهم مقتبسين عنهم قانون تجريم التحرش، وهو ما يعتبر عارا، ومعرة ، وسبة لا تليق بخير أمة أخرجت للناس تقودهم بأخلاقها ، وتشهد عليهم بها .
وسوم: العدد 761