ظلمنا شهداءنا

د. خالد أحمد الصالح

ليس هذا مقالاً عاطفياً يلامس المشاعر، رغم أن العنوان يفرض الحزن، الحزن الذي هو أسمى مشاعرالإنسان. 

قبل أيّام مرت علينا احتفالات التحرير للمرة السادسة والعشرين، وفي كل مرة كنت أسأل نفسي ربما نفعلها المرة المقبلة، لكننا لم نفعلها واستمر ظلم شهدائنا الأبرار. 

شهداء غزو العراق لا يطلبون سوى القَصاص، القصاص من أجلنا لا من أجلهم، فالله سبحانه يقول «ولكم في القصاص حياة». 

اليهود طبّقوا هذه الآية، أنشأوا قسما خاصا لملاحقة المدانين الذين عذبوهم في الحرب العالمية الثانية، طاردوهم في كل مكان وفِي كل زمان وما زالوا يتتبعون آثارهم حتى من زاد عمره على المئة عام، يلاحقونه من أجل تطبيق الحكم عليه... هذا هو العدل وهذه هي راحة المظلومين. 

في مركز الكويت لمكافحة السرطان عشت كل أيام الغزو، وعاصرت مقتل وتعذيب أبناء بلدي، منهم اثنان من الشهداء ما زال في قلبي حريق فَقْدِهِما، عبدالحميد البلهان ومحمد دشتي، وما زال صوتهما يتردد في أذني وهما يطالبان بالقصاص. 

انتهى الغزو وحتى اليوم لم يطلب أحد مني شهادتي فيمن عملوا معنا وكانوا يسخرون منا أو يكتبون التقارير عنا أو يتعاملون مع المحتل. لست أنا فقط بل كثير ممن هم مثلي لم تُسجل شهاداتهم ولم تعقد المحاكم الجادة لكل من كان سببا في قتل وتعذيب أهلنا. 

الأدهى من ذلك أن يتم لاحقا تكريم المتعاونين، أحدهم كُّرم في الكويت تحت رعاية مسؤول حكومي كبير وحضر تكريمه العشرات وكأنه لم يتواصل مع المحتل أثناء الغزو ليؤمن له الراحة. وهناك العشرات بعد أن غادروا عادوا للكويت، لم يتم الحُكم عليهم، فشهادات الصامدين من أهلنا ما زالت في الصدور لم تخرج ولم يطلبها أحد. 

أعرف شخصية عملت معها، لم يترك موبقة إلا لصقها بالكويت أثناء الاحتلال وكان أحد أسباب تعذيب ومقتل الشهداء، هذا الظالم هرب إلى دولة عربية ثم عاد لدولة خليجية وبالأمس تقاعد وثلة من المواطنين أرسلوا له كلمات التمجيد، التمجيد لمن ساهم في قتل الشهداء بعد تعذيبهم! هذا المجرم لم يُسجَّل عليه حكم لأنه لم يُطلب أحدٌ منا للشهادة. 

هذا هوالفرق بيننا وبين اليهود، من سفح دماء اليهود لا تهنأ له حياة، ومن سفح دماءنا نُثني عليه، هل علمتم لماذا نحن ظلمنا شهداءنا؟ ولماذا تعلو صيحاتنا وأغانينا يوم التحرير؟ نحن لا نريد سماع نحيب شهدائنا الذين لم نقتّص لهم بعد.

وسوم: العدد 763