توصيف سياسي : سورية وشعبها تحت حكم المتغلبين

ومصطلح " متغلب " مصطلح شرعي ، يوصف به الحاكم أو صاحب السلطة الذي وصل إلى الحكم والسلطة بالقوة ، وليس عن شورى واختيار من المحكومين .

في كتابه الغياثي ينقل الإمام الجويني ( الإجماع ) أي إجماع علماء الأمة على أن      

(الأمة) مصدر الولايات . وقوله مصدر الولايات أي أنها صاحبة الأمر بتعيين الخليفة أو السلطان أو الرئيس أو الأمير ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، ومن يليه من الولاة ، حسب تراتيب لتحديد سبل الاختيار .

لا أحد على الأرض السورية اليوم يمارس السلطة يصدر عن إرادة حرة واختيار نزيه. 

ووصف ( المتغلب ) في الأصل يدل على ثلمة  في الأهلية الشرعية الأصلية ، ولا يدل على مدح أو ذم  في السياسات الفرعية.  فقد يكون المتغلب عاقلا .. عادلا ..أو قويا .. أو كريما  كما كان فرسان المماليك وغيرهم في تاريخ الأمة كثير، وقد يكون طاغية مجرما زنديقا ، لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة كما هو متغلب سورية الأول اليوم..

الذي نريد أن نضعه بين قوسي التوضيح أن سورية كلها اليوم تحت حكم المتغلبين . المتغلب الأول في سورية اليوم هو المجرم بشار الأسد وعصابته وزبانيته والحاطبين في حباله فبشار الأسد وأبوه من قبله سطوا على حكم سورية بانقلاب عسكري ، ولن تغر باحث عن حقيقة ، الطقوس الخلبية ، ولا الادعاءات العريضة عن دولة ودستور وقانون وديمقراطية . سورية الأسد كانت مقطوعة لنزوة دبابة حافظ الأسد سنة 1970 ، وما تزال تلك النزوة تفرض نفسها على السوريين حتى اليوم .

الفقهاء المسلمون منذ القديم ، وخوفا من الأسوأ ، قرروا قواعد وأحكام للتعامل مع المتغلب ، وعلى هذه القواعد يفتي اليوم الحسونيون ، متجاوزين حقيقة أن هناك محاولة جادة وصادقة للتخلص من المتغلب ، وهي جديرة بالدعم والتأييد ..

على الطرف الآخر ، وفي المناطق المحررة ، حيث سيطرت فصائل بمسميات وعناوين مختلفة ، و تعبيرات متعددة  تحاول في أغلبها الانتماء إلى الدين والشريعة وقال الله قال الرسول ؛ يسيطر أيضا متغلبون . 

متغلبون بحقيقة أنهم ما جاؤوا عن شورى واختيار من المحكومين . وأمام هذه الحقيقة  يجب أن نوضح أمرين مهمين : 

الأول : أن دعم هؤلاء وتأييدهم إنما يتم على خلفية أنهم ناتج محاولة جادة  للتخلص من المتغلب الأول ، وأن هؤلاء المتغلبون الجدد إنما يمثلون مرحلة انتقالية ، سيصير شعب سورية من ورائها إلى التخلص من حكم التغلب والمتغلبين أجمعين ، وإلى صيغة من الحكم الرشيد تحقق العدل والمساواة والأمن والاستقرار . وأن أي عقبة يمكن أن تقف في وجه هذا المشروع ( مشروع سورية الدولة والشورى والعدل )  يجب أن تظل في قوس مشروع التغيير إلى الأصلح الذي لا يتوقف أبدا في مسيرة بناء للأوطان ، كما تخوضها كل الشعوب .

والأمر الثاني : أن أكثر القائمين على هذه الفصائل ، ممن يمتلكون النوايا الحسنة ، والإرادات الطيبة ؛ لا يملكون المشروع الكلي ، أو التصور الكلي لبناء دولة بالمعنى الذي يريده الأكثرون . 

في حكاية عمرو بن معدي كرب الزبيدي ، يوم أراد سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أن ينفل مقاتلي القادسية نفلا إضافيا على ما يحفظون من القرآن ، أن عمرا قال : أسلمت والتحقت بالجهاد ، فلم يكن معه من القرآن إلا قليل . والشاهد أنه لا يرتبط جهاد المجاهد وبطولاته بعلمه وحفظه وإدراكه ، إذ لا ترابط بين هذا وذاك ، كما لا ترابط بين الفقه والعلم واللحية والقرطة والقصيرة !!

ثم لقد كانت هذه الفصائل ، وقياداتها ، منذ الأيام الأولى للثورة المباركة ، هدفا للمستهدفين ، ومحلا لاختراق المخترقين . ولا أحد يستطيع أن يزعم أن كل محاولات أعدائنا باءت بالخيبة والإخفاق ، كما أننا يجب أن نخشى في الوقت نفسه من التعميم ..

والرسالة التي نريد الخلوص إليها من هذا التوصيف ..

إلى القائمين على المناطق المحررة من قادة فصائل ومجالس شرعية ..

لستم ( أئمة ) بالمعنى السياسي للكلمة ، وأنتم لا تمتلكون صلاحيات الإمام ، وإنما أنتم رجال سلطة ( الأمر الواقع ) آل إليكم أمر هذه المناطق بحكم تغلبكم ، فاتقوا الله في أنفسكم ، واتقوا الله فيمن حولكم ، حملتم أمانة عظيمة فاعقدوا نيتكم أن تؤدوا الأمانة عند أول فرصة لأصحابها . احملوا شفقة عمر ورحمة عمر وجنبوا أنفسكم درته إلا فيما لا بد منه من رد صائل ووضع حد لعدوان معتدٍ أثيم ....

وإلى أبناء سورية الأحرار الأباة ..

كلنا بتنا يدرك الفرق بين العيش في ظل العبودية ( تحت سطوة أجهزة بشار ) وظل الحرية والكرامة الإنسانية ، لا نريد أن نزعم أن ما يجري في المناطق المحررة نقي كله . وأنه يصدر عن المشروع الذي حلمنا به كله ، نعلم جميعا أن هناك تجاوزات، ولكننا ندرك أن هذه التجاوزات تصدر أحيانا عن قصور،  وأحيانا عن غفلة ، وأحيانا عن سوء تقدير ، أو قلة فقه ؛ والأهم والأخطر أن منها ما يصدر عن اختراق يمثله حامل السيف وحامل السوط . كل السياط التي تنزل على أجساد أهلينا في زنازين بشار الأسد لم يشهر صورتها أحد كما أشهرت صورة حامل السوط  في تلك المناطق يجلد ظهر أحد المواطنين . حتى في الجرائم الجنائية يميز القانون الجرائم التي تصدر عن الإصرار مع العمد والترصد ، فيما يسمى النية الجرمية ، كما هو الحال عند عصابة بشار ..

في سورية ثورة وطنية ، تسير نحو مشروع وطني ، وكل التجاوزات التي تتم في المناطق المحررة ، والتي يتداولها المتداولون ..

لا تمثل الإسلام ، ولا شريعته ، ولا دعاته ولا المشروع الوطني . إنها مخرج طبيعي - وإن استنكرناه - للحظة الحرجة التي ساق المجتمع الدولي وبشار الأسد سورية إليها ..

ولنعلي الصوت جميعا : لا لدولة المتغلب ، ولا لحكم المتغلبين ..

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون !!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 766