الشعب السوري خارج المعادلة

قد عهدنا أن يكون حارس المنزل موظفا لدى أصحاب البيت، يتقاضى مرتبا مقابل مسؤولية حمايته، لكن حارس ذلك المنزل آثر أن يبيد أهله قتلا وتشريدا وتهجيرا.

قاوموا متمسكين بحقهم في ذلك المكان، دفاعا عن دمائهم وأعراضهم، فذهب الحارس مطأطئ الرأس يتسول معونة اللصوص وقطاع الطرق، فأتوا لدعمه، ووضعوا أيديهم على المكان يعبثون فيه .

اللصوص يتقاتلون، يتنازعون، يذهب لص ويأتي آخر، أصواتهم تعلو في صخب، كلٌ يدعي حق الوجود، جميعهم يتقاسمون مكونات المنزل، متجاهلين أهله القابعين في زاوية منه تختلط دماؤهم بدموعهم.

ضبع يسمي نفسه بالأسد، ورث الخيانة كابرا عن كابر، ومارس عادة العائلة الوضيعة في سفك دماء الشعب السوري، ضاقوا به ذرعا فأبى ربيب العمالة إلا أن يكون شعاره: "إما أنا أو الشعب".

بدعوى مواجهة الإرهابيين كان الفسفور والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية لا تشق طريقها إلا إلى أطفالٍ وعُزّلٍ أبرياء لم تعرف أيديهم ملمس زناد البندقية.

فلْيأْت الأب الروحي صاحب العمامة السوداء من "قم"، ويبثّ حرسه في ربوع سوريا دعما للضبع، والعالم الحر يقول لا تثريب عليكم طالما كانت الدماء تسيل بين أهل السنة وحدهم على أسنة الطائفية المقيتة، ولتهبّ الأحزاب والميليشيات بصرخة الولي الفقيه، ولا مَلامة، فإنها بعيدة عن تهمة الإرهاب، طالما أن لها دولة فتِيّة ترعاها.

وطالما أن تلك الجموع لم تكْفِ لتركيع الشعب، فما المانع أن يأتي الدُّب الروسي من الشرق البعيد، فهو الحليف الأوثق الذي جعل من تلك الأرض دائما سوق عكاظ، يبيع فيه متاعه العسكري ويبث خلاله معلقاته ودواوينه السياسية.

فلا حرج أن يُبارك القساوسة طياّري بوتين ويرشُّون على وجوههم الماء المقدس قبل الذهاب إلى مهمة مقدسة، حيث يدكون منازل المدنيين ويُخلّفون وراءه هجماتهم أشلاءً تكون أقصى أماني أهليهم انتشال اللحم المَفْرِي والعظام المُهشّمة من تحت الركام والأنقاض.

وكيف يدور الصراع الأسود دون ترتيبات البيت الأبيض، فأرباب تمثال الحرية يعقدون الصفقات على أشلاء الشعب السوري، يغضون الطرف عن المجازر التي يرتكبها النظام العلوي المجنون ولو بالأسلحة الكيماوية والمحرمة دوليا، فيكفيهم لحفظ ماء الوجه أن يتكلموا عن الخطوط الحمراء تارة، ويوجهوا ضربة خائبة على استحياء لنظام الضبع تارة أخرى.

ولا تسل عن التحالف الدولي الذي تقوده للقضاء على الإرهاب كيف يعمل عمله؟ فدعك من ضرب المدنيين والمؤسسات المدنية فلدينا أعداد كافية من الشعب تكفي دماؤهم لإشباع الكُونت دراكولا .

واحذر أن تساورك الشكوك عندما تصل المساعدات بالطائرات الأمريكية لتنظيم داعش، فهم يقولون أنها تسقط بطريق الخطأ بفعل الرياح، وما دام سادة البنتاجون يتحدثون 

فعلينا أن ننصت بأدب، ونصدق كل ما يُقال.

هل جرّبت يوما أن تتحدث في شأن، ثم تدخل منه في تفصيل، ومنه إلى تفاصيل أخرى، حتى تنسى أصل الحكاية؟

لقد نسينا حقا أصل الحكاية في سوريا، فالقوى العالمية تتصارع مباشرة أو بالوكالة على أرض سوريا، وتحالفات تُعقد هنا وهناك بشأن العمل في سوريا، وإجراءات التفتيت والتقسيم تجري على قدم وساق، وكل طرف قد وضع طبقًا وشوكة وسِكِّينًا على المائدة لِتقاسُم الكعكة، ونسينا أصل الحكاية، حكاية الشعب الثوري الذي قال يوما لجلاده: (لا)، فأُطبقت سماؤه على أرضه.

كل تحالف، كل صفقة، كل إجراء، كل تحرك، تُبحث فيه المصالح إلا مصلحة الشعب السوري.

لم يكن استخدام الأسد لأسلحة الدمار الكيمائي أمرًا جديدا، حتى يمُنَّ علينا ترامب بتغريدة يُدشّن خلالها لعملية عسكرية لوضع حدّ لعبث الضبع السوري، لكنّ أبا "النشمية إيفانكا" الذي لا تُحركه إلا مصالحه، قد اضطر إلى التصريح بتوجيه ضربة عسكرية تحفظ ماء وجهه، حتى لا تخرج الأمور عن سيطرته وحتى يمنع فوضى الأسلحة الكيماوية، ومن جهة أخرى لسد الأفواه المعارضة في بلاده.

فهل تصمت روسيا عن تلك التصريحات؟ حتما لا، فالمجال مفتوح للتهديد والتهديد المضاد، طالما أن الصاروخ الأمريكي سيوجه إلى أرض سوريا، وطالما أن المضادات الروسية ستنطلق بدورها من أرض سوريا، لا عليكم، فالشعب السوري المنهك مناسب تمام لجعْلِه مُختبرًا لأسلحة الدمار.

لكن لا ينبغي لنا التهويل بِتكَهُّن وقوع حرب مباشرة بين ترامب وبوتين، فما هي إلا أيام حتى تُعقد صفقة جديدة بين الرجلين (هذا إن لم تكن وقعت بالفعل) بتفاهمات جديدة، تحفظ لترامب ماء وجهه، وتحقق لبوتين هدفه من منع سقوط بشار، وذلك بتوجيه ضربة عسكرية أمريكية غير مؤثرة، تتحمل روسيا نفقاتها أمام الأسد.

وأما الحاج روحاني فقد حسم أمره وحزم متاعه، وأكد استمرار الحرب في سوريا لمنع الانقضاض على الشرعية، وهو الاسم الذي ليس له معنى ثان لدى روحاني، الحفاظ على حليفه بشار الأسد، والذي يحكم دولة تمثل حلقة محورية في المشروع الإيراني، المهم أن يمضي مشروعه، ولو أدى لفناء الشعب السوري.

ما أروعكم يا عرب وأنتم تشاهدون هذا العمل الدرامي ببلاهةِ مَنْ يرى الشاشة للمرة الأولى في حياته، لا أراكم تتصايحون إلا عندما تدخل القوات التركية إلى أرض سوريا لمنع قيام دولة كردية تُهدد أمنها القومي، وتُحبط في الوقت ذاته مخطط التقسيم، حينئذ تتحدثون عن سيادة الدول والتدخل في شؤون الآخرين.

كل شيء يُؤخذ في الحسبان، إلا الشعب السوري صاحب الأرض، فهنيئا للحارس الوضيع، وهنيئا للّصوص وقطاع الطريق، وهنيئا لكل من يبحث عن مصلحته في سوريا، وأما الشعب السوري المسلم فلا بواكي له، ولا حليف له، فلو كان شعبا مسيحيا أو بوذيا او عابدا لفئران المزابل لوجد مُغيثًا من كل حدب وصوب، فما أشبه حال السوريين بقول قُريْط بن أُنيف:

لَوْ كُنْتِ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبحْ إِبِلِي ... بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانا

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وسوم: العدد 767