حكّامنا – النِعَم.. و.. النِقم - : بين شرعيّـتَي الابتداء والأداء !
الحاكم - سواء أكان فرداً أم مجموعة - من أعظم النعم على شعبه ، في حال صلاح هذا الحاكم ، والتزامه بأهمّ ركيزتين ، من ركائز الحكم الرشيد ، وهما : الشورى والعدل .
الحاكم أسوأ نقمة على شعبه ، إذا فَرض نفسه عليه فرضاً، دون رغبة من الشعب، أو رضى ، أو اختبار.. ثم عاث في البلاد فساداً، واستبدّ برأيه ، وخنقَ أنفاس الناس ، في بلاده !
للحاكم شرعيتان : شرعية (الابـتداء) أيْ: الانتخاب الحرّ النزيه.. وشرعية الاستمرار في السلطة، وهذه – الأخيرة - شرعية مبنية، أساساً، على التزامه ، بما عاهد الناس عليه، واختاروه على أساسه، من مبادئ وقيم وبرامج..ويمكن تسميتها شرعبة (الأداء)!
إذا فقد الحاكم شرعية الابتداء ( الاختيار) ، أيْ : فرَض نفسه على الناس ، دون أن يختاروه ، إلاّ أنه سار فيهم سيرة حسنة ، بالعدل والشورى ، وحسن الخلق ، والحرص على أمن البلاد ومصالح العباد .. كان لهم في ذلك عزاء ، عن شرعية الاختيار، التي لم تتحقق في البداية ، لأنهم إنّما يختارون الحاكم ، ليحقق لهم الأمور المذكورة ، مِن عدل وأمن ونحو ذلك ! فيكون قد حقّق لنفسه ، لدى شعبه ، مكانة مُرضية ، يحرص على أن يصبغها ، بصبعة الشرعية ، بقوّة الأمر الواقع .. في حكم لم يكن شرعياً ، في الأصل ! وما أكثر الحكّام ، الذين حكموا شعوبهم ، دون اختيار ، في القديم والحديث ، وفي سائر أنحاء العالم..فأحسن بعضهم ، وأساء أكثرهم ؛ فوضعوا شعوبهم ، بين كلفتين باهظتين: كلفة خلعهم ، وكلفة تحمّل ظلمهم وفسادهم !
إذا اختار الناس الحاكم ، ظناً منهم أنه صالح لحكمهم ، ثمّ تبين لهم ، أن اختيارهم له، بنيَ على وهم ، وأنه ليس كما حسبوا ، من حيث الكفاءة والصلاح والعدل ، أو أنه كان صالحاً عند اختياره ، ثمّ غيّرته السلطة ، أو طرأت عليه طوارئ أفسدته .. إذا حصل هذا ، كان للناس عزاءٌ ، في أنهم قد اختاروه بأنفسهم، وعليهم تحمّل مسؤولية اختيارهم، والانتظار حتى يُتِمّ مدّة حكمه ، أو المبادرةُ إلى خلعه دستورياً ، إذا استطاعوا !
إذا فقد الحاكم شرعية الاختيار( الابتداء) ، ثمّ سار في الناس سيرة سيئة ، يكون قد جمع الشرّين معاً، شرّ التسلّط على الناس، دون اختيار منهم، وشرّ السيرة السيئة..أي: لاشرعية ( ابتداء ) ولا شرعية ( أداء) .. فيكون، بذلك ، بلاءً مضاعفاً ، تستجير منه الأمم والشعوب والأوطان !
فلتنظر الشعوب – ولاسيّما النخب ، التي تقودها - فيمن لديها من حكّام ؛ فمن وجدته نعمة ، حمدت الله عليه ، والتفّت حوله ، ودعمته بكل ماتستطيع ، في موجهة أعدائه ، في الداخل والخارج ! ومن وجدته نقمة ، استعاذت بالله منه ، وسعت إلى خلعه ، بما هو متاح ، لديها ، من وسائل ، تُريحها من كارثة فساده وظلمه ، دون أن تأتي بمن هو أشدّ منه ، ظلما وفساداً .. ودون أن تسبّب ، لنفسها ، كارثة ، هي أعظم من كارثة وجوده على رأسها ! – ونادراً مايُبتلى شعب بكارثة ، هي أسوأ من كارثة حاكم ، يتسلط عليه ، من هذا الطراز!- ونحسب عقلاء البشر، جميعاً ، يدركون الفرق، بين الصالح والفاسد، وبين العادل والظالم ! ولا عبرة للمشوّهين : عقلياً ، أو نفسياً .. والغارقين في الأوهام ، أوالأحقاد ، أو الأهواء الدونية الرخيصة!
وسوم: العدد 771