موسم التهجير إلى الشمال ونصيحة قلم

د. محمد أحمد الزعبي

أفقت صبيحة هذا اليوم على وقع أقدام النساء والرجال الألمان ، الذين كانوا يهرولون في الشارع المجاور لغرفة نومي  وهم مسرعون إلى أعمالهم كعادتهم ( التي كنت أتمنى أن تكون عادتنا في بلادنا العربية مثلهم ) في كل يوم عمل من أيام الأسبوع . بادرت أيضا كعادتي ، مسرعاً إلى التلفاز علني أجد في أخباره الصباحية نصراً أو بعض نصر لثورة آذار 2011 السورية على نظام ذلك الديكتاتورالطائفي والفاسد بشارالأسد ، عدو الحرية والكرامة والعدالة وحقوق الإنسان ، والمتحالف حتى القتل والتدميروالتهجير مع أمثاله من الطغاة الفاسدين في موسكو ومن الطائفيين في طهران و لبنان . لقد خيب التلفاز أملي ، وكان كل ماسمعته وما رأيته فيه هو ( التهجير ، ثم التهجير ، ثم التهجير ) تهجير أكثر من 80%من الشعب السوري إلى الشمال (!!) ، ولكن أي شمال هذا ؟! ، إنه ليس شمال الطيب صالح ، في روايته ( موسم الهجرة إلى الشمال ) ، إنه شمال حسن نصر الله ، وشمال شماله ، بل وربما شمال شمال شماله (!!) ، فيالعار تلك العمائم واللحى التي لاتخاف الله  . أغلقت التلفاز ، وعدت مكسوفاً ويائساً الى جمجمتي أبحث داخلها عن طبيعة وعن أبعاد هذا الشمال ، بل هذه الهجرة القسرية إلى الشمال . لقد كان تساؤلي الكبير هنا :  ولماذا إلى الشمال وليس إلى الجنوب أو الشرق أو الغرب؟ ، بل ولماذا هذا التهجيرأصلاً (!!) ؟ ، ومن هو المهجّر ( بفتح الجيم ) ومن هو المهجّر( بكسر الجيم )؟ ، وهل يمكن لهؤلاء المهجرين قسرياً أن يعودواإلى قراهم ومدنهم وبيوتهم التي هجروا منها ذات يوم ؟ ومتى ؟ ، وهل يمكن أن يكون المحتلون الروس مدمري حلب الشهباء والغوطة الشرقية الشماء هم الخصم والحكم في آن واحد على قاعدة ( حاميها حراميها )؟! ، وهل ستحقق هذه الهجرة القسرية لهؤلاءالمهجرين من جهة ، الأمن والأمان الذي افتقدوه في مقارهم الأصلية التي اقتلعهم منها جيوش بشارالأسد وحلفائه الروس والطائفيين بقوة السلاح ؟، ومن جهة أخرى جرعة ماء نظيف وكسرة الخبزغيرمغمسة بالدماء طالما افتقدوهما طوال سنين الحصار التي لاأعرف من جهتي عددها ؟ .

 أسئلة صعبة ، بل وعصية على الإجابة الصادقة ، الموضوعية والعلمية والأخلاقية ، ولا سيما أننا في عصر ( المجرم والكذابين الأربعة ، إن لم اقل أكثر ) ، الأمر الذي معه  نصحني قلمي أن أرحمه وأن  أغلق فمي وفمه معاً ، وأن أكتفي بقلقي وأخزنه في جمجمتي إلى جانب  قلق بان كيمون ، فلعل المستقبل القريب أو المتوسط أو البعيد ،يحمل لنا نحن أبناء ثورة آذار المجيدة مفاجأة الخلاص من أسطورة التهجيرإلى الشمال ، بل من " أصحاب الشمال " أنفسهم وكلهم . لقد استمعت إلى نصيحة قلمي ،وأغلقت فمي وفمه . ولكن قبل أن اغلق عيني استعداداً للنوم بعد أن عدت إلى الفراش ، رن جرس الهاتف ، وإذ بصديق يقول لي ، إ سمع يافلان ماذا يحدث الآن في لبنان . سمعت ( عبر الهاتف )  "حشداً شعبياً " لبنانياً يهتف بصوت جهوري:" بيروت صارت شيعية " تمتمت بقول " لاحول ولا قوة إلا بالله " ثم أغلقت عيني قبل أن تبدأ دموعهما بالصراخ ، لمتابعة النوم ، عسى أن تتحقق أمنيتي في نجاح الثورة وهزيمة أعدائهافي النوم ، بعد أن خذلني التلفاز والهاتف في اليقظة . بيد أن جرس هاتفي اللعين رن من جديد  ليسمعني صديق آخريهمس في أذني قائلاً: يا فلان  ألست أنت من كتب ذات يوم ( وما النصر إلا ّصبر ساعة ) ، قلت نعم ، قال أنصحك إذن أن تعود إلى قلمك ،وتصبرتلك الساعة.

 نعم  لقد أطعت نصيحة صديقي وخالفت نصيحة قلمي .

وسوم: العدد 771