تجريم الإسلام في خطاب المثقفين!
"لم أعد ألاحظ وجود منقبات كما لاحظت من قبل حين تولت جماعة الاخوان الحكم. كما أن عدد المحجبات صار قليلا جدا. ولاحظت ان المقاهي في هذا الشارع الذي هو نسخة طبق الأصل من شارع الشانزليزيه بفرنسا؛ عامرة بالجالسين من الجنسين وأن عدد الفتيات الأنيقات في الشارع يفوق جدا عدد الشبان ولم ألاحظ أي حالة تحرش، وعرفت أن هناك قانونا شديد العقاب للتحرش". "وفي نقاشي مع بعض الاصدقاء من تونس كيف لم تنتكس ثورتكم؟ أجمعوا علي قوة المجتمع المدني من نقابات واحزاب وجمعيات حقوقية لا تمسها الدولة بسوء ولا تستطيع، فتاريخها قوي وهذا كان من أكبر ابتعاد الاخوان المسلمون(كذا!) بهدوء عن السياسة. وإن ظلوا يذكرون عام سيطرة الاخوان علي الحكم وكيف ظهر بعض الدعاة من مصر وغيرها(؟) لكن المجتمع المدني سخر منهم ولم يجدوا لهم منفذا. قلت لنفسي: دائما ستظل الإجابة تونس".
هذه بعض خواطر الكاتب إبراهيم عبد المجيد في زيارة أخيرة لتونس؛ نشرها بجريدة الأخبار 7/5/2018م، بعد حضوره مؤتمرا أدبيا، وكان أخ له من قبل قد زار تونس في عهد الطاغية الهارب زين العابدين بن علي، فعاد ليفاخر أنه لم يجد محجبة واحدة، في كليات الجامعة التونسية. وكأن الحجاب والنقاب سبب تخلف أمتنا، وتراكم ديونها، وتبديد ثرواتها وخاصة النفط والغاز، وتوقف مصانعها، وانهيار مزارعها، وسوء تعليمها، وفقدانها للأمن، وشيوع العنصرية وانتشار التفاوت الطبقي.... ويتجاهل إبراهيم عبد المجيد وأخوه الكاتب أن المسلمين وليس الإخوان في تونس، انسحبوا حينما رأوا نواجذ الثورة المضادة التي ينتمي إليها إبراهيم وأخوه تستعد لنهش الثورة كلها وتمزيقها، وإدخال البلاد كلها في دوامة الدم كما حدث بمصر واليمن وليبيا مستعينة بمليارات الأعراب الحرام، والشيوعيين والعلمانيين الذين باعوا أنفسهم للشيطان؛ عدو الإسلام والشعوب والحرية!
أما الصحفي صلاح سالم فكتب في الأهرام 8/5/2018م، محمّلا ما يسميه الإسلام السياسي إحالة عاصفة الربيع العربي إلى خريف ثقيل الوطأة يكاد يفتك بحال السلم وليس فقط بحال الحرية بفعل ادعاءاته (اللاتاريخية!)، وتمركزاته القارّة في وعي مجتمعاتنا. وكأن الإسلام السياسي قاد الدبابات والمدرعات وراح يذبح المعتصمين والمتظاهرين والمشتبه في انتمائهم للإسلام، ويخطف الرئيس المنتخب والنواب الذين اختارهم الشعب، ويتحالف مع اليهود الغزاة في فلسطين المحتلة لتصفية القضية الفلسطينية، ويتنازل عن مياه النيل للأحباش، والغاز للقبارصة واليونان والصهاينة، ويحرم الأمة من المشاركة والشورى وبناء الأوطان!
أما الكاتب الشيوعي الفلسطيني الأردني، إبراهيم نصر الله فيؤكد بصورة قاطعة في حوار مع نضال ممدوح في الدستور بمناسبة حصوله على جائزة البوكر في الرواية هذا العام، أن “الإسلام السياسي أحد أسباب تدمير حياتنا”. ولا أدري بم يقصد بالإسلام السياسي؟ هل يقصد أن الجماعات الإسلامية مثلا تحكم العالم العربي بالحديد والنار، وتقمعه بالدبابات والمدرعات وصندوق الذخيرة وأجهزة الأمن وأبواق الكذب والنفاق، وتحرمه الديمقراطية والعدالة والحرية، وتفرط في فلسطين وتشارك في حصار شعبها وتغازل العدو الصهيوني بمناسبة وغير مناسبة؟ أو يقصد أمرا آخر لا يعرفه أحد غيره؟
أما اليساري إبراهيم الكوني الذي كرمه أخيرا ملتقى الرواية في تونس، فأمره عجب. وملخص كلامه في الملتقى (5/5/2018م) الذي حاولت فهمه من خلال لغته الزئبقية؛ أن أهل تونس استطاعوا أن يتفادوا العنف أو الثورة المضادة التي استباحت شعوبا عربية مدججة بالمال والسلاح، وأن يحققوا السلام فيما بينهم بالحوار أو التفاهم الذي صنعته حضارتهم القديمة وأساطيرهم الممتدة ثلاثة آلاف عام. لتكون تونس النموذج في ترويض مارد العنف، مع الإشارة إلى حالة عنصرية. فأهل فينيقيا (تونس القديمة) لم يقبلوا منذ ثلاثة آلاف عام غزاة على تراب تونس، كما في بقية الأركان، على النحو الذى عالجه في روايته الأخيرة "موسم تقاسم الأرض"، ويرى أن سر البلاء يكمن في الأيديولوجيا، "ذلك التنين المعادي للجمال، والخالي من روح الشعر، المدجج بترسانة ملفقة من رءوس ثلاثة "ديني وقومي وثوري" مسلحا بالعقلية التي لا تقنع باحتكار الحقيقة وحسب، ولكنها تأبى إلا أن يكون احتكارها لهذه الحقيقة مسبقا، لتبرهن التجربة، لهذا السبب تحديدًا، كيف أن كل تغيير يأتي في أعطاف هذا المسخ هو بالضرورة دموي ومميت، وكل تغيير يعقب مصرع هذا التنين بالضرورة أيضا دموي ومميت، وهو ما يعنى أنه لم يكن يوما في حياة الأمم سوى لعنة بكل المقاييس".
مربط الفرس في كلام الكوني هو الرءوس الثلاثة: الدين (والمقصود به هنا الإسلام)، القومية، والثورة. يعدّها أسباب المأساة التي يعيشها العرب، وليس الحكام الطغاة من عينة القذافي الذي كان الكوني مقربا من نظامه، وشغل مناصب مرموقة في نظامه داخل البلاد وخارجها، وليس أولئك الذين يقمعون شعوبهم بالحديد والنار والبصاصين وأكاذيب الإعلام والمثقفين الاستعماليين. بالتأكيد لا يريد أن يشير إلى أن صندوق الذخيرة المدعوم من الأعراب والغزاة اليهود وأهل الغرب الأقوياء، هو سبب مصائب الأمة وبلاء الشعوب، وأن المسلمين يتنازلون عن حقوقهم ليعيشوا، أو يحافظوا على وجودهم البشري لأن الضوء الأخضر أعطى صندوق الذخيرة في بلاد العربان صلاحية الاستئصال والإفناء إذا أمكن لكل من يستمسك بالشهادتين!
من حق هؤلاء المثقفين الاستعماليين أن يعبروا عن السلطات التي ترعاهم بالامتيازات والجوائز والسفريات والمؤتمرات والنشر في الأجهزة الرسمية، والخاصة التابعة، وأن تترجم أعمالهم وتمنحها الدعاية اللازمة في الداخل والخارج، ولو لم تعبر عن مواهب مكتملة أو نضج فني وفكري، فهم يقومون بخدمة جليلة لهذه السلطات، وهذه من جانبها تقوم بتغييب أصحاب المواهب الحقيقية والتجارب الناضجة لأنهم لا يسايرون استبدادها، ولا يسوغون جرائمها، ولا يعزفون على ربابة الولاء وطبلة التأييد، ولا يفخرون أن مسئولا مستبدا وضع يده على كتف واحد منهم، أو أصابه الفرح وهو يستمع له حين سأله في لقاء مع الرفاق الاستعماليين عن أسعار الطماطم في الأسواق بدلا من السؤال عن الأسرى في المعتقلات، وتكميم أفواه الصحافة، وإغلاق نوافذ التعبير أمام أصحاب الفكر الحر.
اعترف الكاتب اليساري اليمنى على المقري، أن هناك رواية عربية لم تكتب فيما بعد الربيع العربي، إضافة إلى أن رواية الديكتاتور ظلت غير ممكنة التحقيق لأزمنة طويلة، في العالم العربي وهى الآن تواجه أسئلتها الخاصة: كيف تكتب؟.
وهذا الاعتراف ناقص. لأن المثقفين الاستعماليين يكتبون رواية واحدة؛ هي رواية تجريم الإسلام وتحقيره، وشيطنته، ووصمه بصفات الإرهاب والتخلف والجمود والظلام، حتى لو كانت الصياغة من خلال ما يسمى بالجماعات المتطرفة، فالحجاب يؤذيهم أكثر من اغتصاب المعتقلات، وقتل الأبرياء بمعرفة صندوق الذخيرة لا يؤرق خيالهم!
الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 773