تركيا.. انتخابات محلية أم أحداث عالمية؟!
الأنتخابات التركية ربما تكون أهم إنتخابات ديمقراطية في العالم، فهي محط إهتمام عالمي وإقليمي كبيرين، إليها تشخص الأبصار ومع إقتراب يومها الكبير تخفق القلوب وتكاد تنحبس الأنفاس. فتركيا تشكل للمضطهدين في العالم وخصوصا السنة من بورما إلى سوريا والعراق واليمن وليبيا وفلسطين وغزة ومصر وغيرهم أملا وملاذا وملجأ، فيما تظهر في خضم نظام عالمي جائر ومتوحش ودموي، عقبة قادرة على التمرد على ظلمه وفجوره وموازينه المتعددة والجائرة.
تركيا والتي شهدت في السنوات الخمس عشرة الأخيرة نهضة كبرى شملت جميع مناح الحياة الإقتصادية والعلمية والمعيشية والثقافية وحتى الرياضية بقيادة حزب العدالة والتنمية المتصالح مع تراث أمته والملتزم بقيمها في إسلام منفتح يحمل رسالة إعمار الدنيا وإصلاح الآخرة، شكلت نموذجا بديلا لديمقراطية غربية عرجاء تحمي مصالحها المادية لا قيمها بالقوة الهوجاء. فالغرب الذي نسي وصفح عن دم الشاب الإيطالي ريجيني والذي قتل تعذيبا في مصر السيسي، والغرب الذي يتعايش مع مجازر التهجير والإبادة للسنة في العراق وسوريا وجرائم رجالات حفتر الإنسانية المصورة والموثقة، لا ينفك يتحدث عن دكتاتورية أردوغان وتجاوزاته بالرغم من أنه زعيم منتخب بانتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية لا كحلفاء واشنطن والغرب من المستبدين والطغاة والذين يسجنون المفكرين والحقوقيين والكتاب والدعاة وتعذيبهم وانتهاك كرامتهم وحقوقهم الإنسانية.
أدرك الأتراك بأن هناك قوى إقليمية تستخدم من قبل إسرائيل وجهات دولية، تستهدف تركيا وتخطط للنيل منها والكيد لها في الفترة الإنتقالية والتي تسبق الأنتقال إلى مرحلة النظام الرئاسي آواخر 2019، مما دفع باردوغان للتعجيل بالأنتخابات ليقطع عليهم الطريق وليصل بتركيا إلى مرحلة استقرار سياسي في مواجهة مكائد تحاك وأحداث إقليمية مضطربة وتطورات متسارعة وحروب متلاحقة.
لا بد من شيطنة أردوغان وإسقاطه بأية طريقة وبأي ثمن، غربيا وإسرائيليا ومن قبيل دول تمثل أدوات للصهاينة وقوى دولية متنفذة في المنطقة تنشر الخراب والدمار ومحاربة الربيع العربي وسعي شعوب المنطقة للحرية والكرامة، لإسباب كثيرة منها:
•تركيا المستقرة سياسيا والمزدهرة إقتصاديا تشكل نموذجا ملهما للدول العربية والإسلامية للتحول من الاستهلاك والاعتماد على الغير إلى الانتاج والإكتفاء، مما يشكل تهديدا للمصالح الغربية والتي تعتبر سرقة ونهب ثرواتنا جزء من تلك المصالح والتي في سبيل حمايتها تشن حروب تدميرية شاملة تحول شعوبنا إلى لاجئين ومشردين.
• تركيا الديمقراطية تسقط أكذوبة أن إسرائيل هي الدول الديمقراطية الوحيدة في المنطقة والتي يكررها الغرب زورا وبهتانا، الغرب الذي يدعم الطغاة والدكتاتوريات في بلادنا ثم يعيرنا بهم!
•تركيا المستقرة والقوية قادرة على رفض المظالم وما يسمى بصفقة القرن والتي يشارك فيها سفهاء عرب والتي تتنازل عن المقدسات الإسلامية والقدس والأقصى والأرض والعرض في سبيل إرضاء إدارة أمريكية متهورة تفتقد للإخلاق وتفتقر للقيم.
•تركيا المستقلة والناهضة قادرة على إفشال مخططات تقسيم المنطقة وتفتيتها وأبقاءها في مرحلة حروب عبثية وساحة لتقاسم النفوذ والمصالح الدولية.
للإسباب أعلاه ولغيرها وعلى خلفيات أحقاد صليبية ومورثات تاريخية، تشن على تركيا حروب إعلامية وإقتصادية شرسة بعد فشل خيار القوة بسقوط الإنقلاب العسكري والذى أدى لتطهير المؤسسة العسكرية التركية من المرتبطين بقوى خارجية وبالتالي تحصينها. الحرب الإعلامية بدت واضحة بتناغم من الإعلام العربي الليكودي والغربي المتصهين، والحرب الإقتصادية وعلى جبهات عدة والتي تستهدف الليرة التركية والاقتصاد التركي الصاعد بقوة وثقة من خلال تخويف المستثمرين وإرعابهم. هذه الحروب ستحتدم ويشتد سعارها مع إقتراب موعد الأنتخابات ولا أستبعد اللجوء إلى عمليات إرهابية دموية في الأيام المقبلة لإسقاط النموذج التركي الناجح ومن ثم السعي لإقامة دولة فاشلة تابعة لهم قابلة للتقسيم والتفتيت لإبقاء المنطقة تحت إستعمار وإنتداب في صور جديدة وأنماط حديثة.
ما يحدث في تركيا ليست أنتخابات داخلية وتدوال للسلطة، والإ لما شهدنا هذا الاهتمام العالمي غير مسبوق، إنها أيام فاصلة لها ما بعدها. فهل نكتفي دولا وقوى وشعوب بالترقب أم علينا الوقوف مع تركيا إعلاميا وسياسيا وإقتصاديا من خلال ضخ الاستثمارات ومواجة حروب الحاقدين بالثقة بالخيار التركي والمراهنة عليه بلا تردد ولا تعثر؟!
وسوم: العدد 774