ما هو الغرض من إثارة موضوع كتاب "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرزاق وكتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين في هذا الظرف بالذات؟
نشر في الآونة الأخيرة المدعو نور الدين لشهب على موقع هسبريس مقالين الأول بعنوان : " كتاب مثير : الإسلآم وأصول الحكم يفجر جدل السياسة والدين" والثاني بعنوان : " كتاب مثير : عندما شكك عميد الأدب العربي في الشعر الجاهلي " . أما الكتاب الأول فهو لعلي عبد الرزاق ، وأما الثاني فهو لطه حسين.والسؤال المطروح ما هو الغرض من إثارة موضوع هذين الكتابين في هذا الظرف بالذات ؟
من المعلوم أن الظرف هو تداعيات حراكات وثورات الربيع العربي الذي أجهضها الغرب مع حلفائه في الوطن العربي توجسا من توجه الشعوب العربية نحو التفكير في الإسلام للخروج من وضعية ما بعد النكسة والنكبات المتتالية التي كرست ضعف الأنظمة العربية وعجزها عن مواجهة العدو الصهيوني وقبولها بل هرولتها للتطبيع معه على حساب القضية الفلسطينية وفسادها السياسي الذي انعكس على حياة المواطن العربي في كل مجالات حياته . ومن أجل صرف الشعوب العربية عن التفكير في الإسلام كحل لأزمتها الخانقة اخترع الغرب مقولة " الإسلام السياسي " بعدما راهنت بعض الشعوب العربية عليه بالتصويت على أحزاب ذات توجه إسلامي في أول انتخابات أعقبت بعض حراكات وثورات الربيع العربي . ولقد دبر الغرب وحلفاؤه من أنظمة عربية مؤامرة الإطاحة بالشرعية والديمقراطية في مصر عن طريق انقلاب عسكري دموي اضطرت معه أحزاب عربية أخرى ذات توجه إسلامي إلى القبول بنصف رغيف كما يقال وذلك بقبول مشاركة أحزاب ذات توجهات علمانية وليبرالية معها في صنع القرار بعد تميزها في الفوز في الانتخابات تجنبا لمصير حزب الإخوان المسلمين في مصر . ومن أجل التمويه على جريمة الانقلاب العسكري الدموي في مصر ألحق حزب الإخوان المسلمين بالعصابات الإجرامية التي صنعتها المخابرات الغربية وبثتها في بؤر التوتر بمنطقة الشرق الأوسط لتمارس الإجرام والإرهاب باسم الإسلام بذريعة تأسيس ما سمته الخلافة الإسلامية . و لقد ربط الغرب وحلفاؤه من الأنظمة العربية المتوجسة من السقوط بسبب حراكات وثورات الربيع العربي ربطا مباشرا بين حزب الإخوان المسلمين وبين هذه العصابات الإجرامية معتبرة أن لهما نفس المرجعية الدينية التي تتبنى العنف والإرهاب ، وتنشد تأسيس الخلافة الإسلامية، وهو ما يسميه الغرب الإسلام السياسي الذي يهدد الأمن والسلام في العالم .
وصاحب التوجس مما سمي إسلاما سياسيا حملة منسقة ضد الإسلام كدين يستغل سياسيا للتخويف منه والتشكيك في نوايا كل من يعلنون انتماءهم إليه بحيث لم يعد الغرب يميز بين فكر العصابات الإجرامية التي صنعها وبثها في منطقة الشرق الأوسط لممارسة العنف والإجرام والإرهاب باسم الإسلام وبين أحزاب سياسية ذات توجه إسلامي ، وبين جماعات إسلامية معتدلة ، وحتى بين أفراد من المفكرين دون مراعاة التمييز بين اعتدال وتطرف وغلو .
وكثر بعد إجهاض الربيع العربي استهداف الإسلام بشتى الطرق والأساليب ، منها حملات التشكيك فيه، وفي رموزه التاريخية بدءا بالصحابة ومرورا بأئمة الحديث وانتهاء بعلماء الأمة قديمهم وحديثهم . وبدأ التجاسر على نصوص القرآن والحديث إما لتعطيلها تماما أو لإدخال التغيير عليها بذريعة عدم مواكبتها لمستجدات العصر، ولكونها تتضمن نقائص وهفوات تترتب عنها مظالم وضياع حقوق البعض .
وجندت الجهات الواقفة وراء استهداف الإسلام أقلاما مأجورة للنيل منه تشكيكا وطعنا ، وهكذا ظهر من يشكك في الجامع الصحيح للإمام البخاري باسم البحث العلمي والدراسة الموضوعية من أجل إسقاط الحديث ليسهل التصرف في فهم وتأويل نصوص القرآن وفق مختلف الأهواء علمانية وليبرالية ...وحتى عبثية . وليس الطعن في مصداقية صحيح البخاري هو الطعن الوحيد الذي يستهدف به الإسلام بل هنالك طعون أخرى تتمثل فيما يكتب عن الإسلام بشكل شبه يومي ،وكأن أصحاب تلك الكتابات يريدون طرق الحديد وهو ساخن كما يقال لخلق وهوة وجفوة بين الإسلام وبين أهله من أجل التمكين لما يراد من شر وسوء بهذه الأمة من قبيل تمرير صفقة القرن التي بموجبها ستضيع أرض فلسطين إلى جانب صفقات أخرى لم يكشف عنها بعد إلى غاية حلول الظرف المناسب لذلك .
ففي هذا الظرف بالذات جاءت فكرة النبش في مؤلفات صارت في خبر كان كمؤلف " الإسلام وأصول الحكم " لصاحبه علي عبد الرزاق المصري الأزهري الذي صنع في جامعة أوكسفورد البريطانية ليوظف في ظرف دقيق هو سقوط الدولة العثمانية وتحول تركيا إلى بلد علماني بعد توزيع تركة الرجل المريض ، و كانت تلك هي صفقة القرن يومئذ .ومع أن هذا الكتاب قد انتهى الجدل الذي أثاره إلا أن صاحب المقالين يريد النفخ في رماده عسى أن تنقدح له شرارة ما يذكيها ليسهم بشكل أو بآخر في الحملة المشبوهة الحالية لتشويه الإسلام . ولقد رد أعلام الفكر الإسلامي على كتاب علي عبد الرزاق، ومنهم العلامة الشيخ محمد الخضر حسين ، والعلامة الطاهر بن عاشور وهما من هما مكانة علمية لا يشكك فيها إلا منكر أو جاحد .وكتاب علي عبد الرزاق محاولة فاشلة كان صاحبه يروم من ورائها التأسيس للفكر العلماني في الوسط الإسلامي وفق ما لقن له في جامعة أوكسفورد حيث طبخت صفقة القرن يومئذ . وفكرة الكتاب المركزية تدور حول تفسير الإسلام بما يتفق مع التصور الغربي للدين الذي يعتبر أنه لا علاقة له بالسلطة أو السياسة ، وأن السلطة والسياسة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من صنع صحابته ولا علاقة لها بالإسلام .
أما طه حسين فكان هو الآخر أزهريا قبل أن يصنع كما صنع علي عبد الرزاق في جامعة مونبيليه الفرنسية ليوظف في نفس الظرف التاريخي ليشكك في الإسلام من زاوية أخرى، وقد زوج بالفرنسية سوزان بريسو التي يسود التعتيم على دورها في توجيهه فكريا ،ويكتفى بالحديث عنها كمجرد زوجة ضحت من أجل مفكر ضرير . أما كتابه " في الشعر الجاهلي " فقد استوحاه صاحبه من فكر المستشرق اليهودي مرجوليوث المعروف بعدائه للإسلام ويدور حول فكرة التشكيك في صحة انتماء الشعر الجاهلي لفترة الجاهلية من أجل دحض فكرة إعجاز القرآن الكريم لأنه بالتشكيك في هذا الشعر تسقط فكرة الإعجاز من الأساس لانعدام نصوص صحيحة يمكن أن تقارن بنصوص القرآن الكريم لبيان إعجازه . ولقد نسف أهل العلم فكرة انتحال الشعر الجاهلي من أساسها عند مرجوليوث و عند طه حسين الذي تلقفها عنه وألبسها عباءة المفكر العربي عوض عباءة المستشرق اليهودي .
ومع أن الكتابين الشاذين حسب تقدير الراسخة أقدامهم في العلم صارا في خبر كان، فإن صاحب المقالين المنشورين على موقع هسبريس أراد النبش عنهما من جديد لحاجة في نفس يعقوب، وهي تقوية تيار الطروحات العلمانية التي تخدم الأجندة الغربية في هذا الظرف بالذات حيث يحاول الغرب فيه تمرير صفقة القرن وغيرها من الصفقات التي لا مكانة فيها لشيء اسمه الإسلام .وسنتوقع النبش من نفس الكاتب أو من غيره في مؤلفات شاذة أخرى كانت تستهدف الإسلام وانتهى بها المطاف إلى غبار الرفوف ، كما انتهى بمضامينها إلى مزبلة التاريخ.
وسوم: العدد 775