كيف نوقف فلسطينيا مؤامرة صفقة القرن ؟!
المألوف أن تكون المقدمات بشيرا أو نذيرا بنتائج من جنسها اللهم إلا إذا وقع تحول مباغت في مسار الأحداث يُخرِج هذه البديهية المنطقية عن مألوفها . حديثنا عن مشروعات البنية التحتية لقطاع غزة التي تبشر بها أميركا ومن خلفها ، في الظل ، إسرائيل ، وتريد أن تمولها من جيب السعودية والإمارات وقطر بمليار دولار . النذير الخطير في هذه المشروعات أنها ستكون في شمال سيناء ، وتشمل مشروعا للطاقة الشمسية ، ومحطة تحلية مياه ، وميناء ، ومصانع لمواد البناء . والسؤال : لماذا لا تكون هذه المشروعات في قطاع غزة ؟! الجواب المجمع عليه أنها تهيئة لصفقة القرن الترامبية اسما ، الإسرائيلية جوهرا التي تستهدف إقامة دولة في غزة بامتداد 1600كم في شمال سيناء تعوض مصر في مقابله في بئر السبع بمساحة أقل ، ومن ضمن هذه المساحة ممر إلى الأردن . هذا الجواب الأول للسؤال ، وجواب أخر نقدره : حتى تكون هذه المشروعات خارج أي سيادة فلسطينية ، وبهذه الكيفية تصبح وسيلة ضغط على قطاع غزة أيا كانت الجهة التي تدير الأمور فيه ، وفي هذه الحالة لن تكون المرافق والمنافع المتولدة عن هذه المشروعات أحسن حالا من معبر رفح أو خط الكهرباء المصري المزود لجنوب القطاع والذي يدفع ثمنه لمصر بنك التنمية الإسلامي . مصر في معبر رفح ، فتحا وإغلاقا ، تستجيب لرغبات إسرائيل وإملاءاتها أكثر مما تستجيب لرغبات قطاع غزة واحتياجاته لكونه واقعا في المنطقة ( ج ) ذات السيادة المصرية المحدودة وفق اتفاقية كامب ديفيد في 1979 بين مصر وإسرائيل . وهي فتحته طول شهر رمضان استجابة لطلب إسرائيلي وأميركي لامتصاص زخم مسيرة العودة التي أزعجت إسرائيل وأهمتها كثيرا وخلقت لها مشكلات معقدة محيرة ، واستجابة لنفس الطلب مددت فتحه حتى عيد الأضحى . أما خط الكهرباء فيتعطل أكثر مما يعمل لدواعٍ أمنية أو فنية . مصير منشآت البنية التحتية الجديدة في شمال سيناء سيكون أسوأ حالا من معبر رفح ومن خط الكهرباء المصري لربط إسرائيل وأميركا فاعلية هذه المنشآت بالاستجابة لصفقة القرن ، وستكون مصر عونا لهما في هذا الربط أشد مما هي في معبر رفح ، وفي حال فشل الصفقة ستلغى هذه المنشآت . وواضح أن الصفقة تتحرك بإسناد عربي سياسي ومالي . سياسي : أكثر الدول العربية ، وأولها الخليجية ، تريدها ورقة توت تخفي عورة شرعنة علاقتها مع إسرائيل ، ومالي : أميركا لا تخجل من عدم مساهمتها ولو بدولار واحد في المشروعات المهيئة للصفقة ، وتكلف السعودية والإمارات وقطر بدفع ميزانيتها . إنها أميركا ترامب في ذروة خستها ونزعتها الابتزازية . وغزة تقاوم نذير الصفقة المشئومة وحدها ، وأين السلطة الفلسطينية ؟! السلطة تقاوم الصفقة لسانا ، وتساندها عملا . لسانا : ما أكثر التصريحات وما أكثر المصرحين في السلطة بأنها ترفض الصفقة رفضا قاطعا ، وتراها تقويضا للمشروع الوطني الفلسطيني المستهدف لإزالة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي ، وإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة ، بالقدس عاصمة لها ، وأنه لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة ، والصفقة الشريرة تخرج من حسابها القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات ، وتعرض دولة صورية بلا سيادة . وعملا : واصلت السلطة دفع غزة إلى حافة لفظ الأنفاس مساهمة في محاصرتها ، وخصما من رواتب موظفيها ، وإجبارا لهم على التقاعد المبكر تخريبا لقوة العمل ، ودائما تسرع إلى تعويق أي مشروع من أي جهة فيه تفريج لكربة كربات غزة الجمة حتى ليبدو أنها لا عدو لها في الدنيا إلا غزة ، وأنها المكان الوحيد الذي لها تأثير عليه ، ومن الوجهة السلبية المضرة طبعا حيث إن سلطتها على الأمور السيادية في الضفة معدومة تماما . و خلق هذا الموقف المعادي لغزة واقعا فلسطينيا مهترئا يسهل اختراقه على متآمري صفقة القرن في المثلث الأميركي الإسرائيلي العربي ، وهم يريدون الآن أن تبدأ صفقتهم خطواتها الأولى بمشاريع بنية تحتية في شمال سيناء ، وليس في غزة مثلما هو طبيعي لو كانوا حسني النية ، وهذه مقدمة تنذر بما هو مخيف وخطير على القضية الفلسطينية ، وهو إمكان نجاح الصفقة ، ولن يحدث أي تحول مباغت في مسار مؤامرتها إلا إذا استرجع الجسد الفلسطيني عافيته في وحدة وطنية حقيقية بقيادة وطنية حقيقية ترسخ حاجزَ صدٍ منيعا في وجه المتآمرين على قضيتنا ومصيرنا ومصير الأمة من عرب أميركا وإسرائيل الذين لن يكونوا أحرص على فلسطين منهم على سوريا والعراق وليبيا واليمن التي أسهموا بأموالهم بأكبر نصيب في تمزيقها وتخريب كياناتها غافلين عن أن نفس المصير القاتل ينتظرهم من أميركا وإسرائيل والغرب العدواني ، بل هم يقاسون الآن من ازدراء أميركا لهم ، ودفعهم ليكونوا واجهة عربية خادعة لحروبها ، وإجبارهم على شراء أسلحة بالمليارات ليسوا في حاجة لها بتاتا ، ولا قدرة لهم على استيعابها عسكريا وأدائيا ، وفي النهاية المترفون ليسوا أهل سلاح وحرب . وقدر الفلسطينيين أن يكونوا ذلك الحاجز مثلما كانت بلادهم مقبرة لوحشية التتار ، ولأطماع الصليبيين الذين عادوا إليها من جديد برأس حربة يهودي ، ولن يكون الفلسطينيون وحدهم . سيكون في حاجز صد المؤامرة عرب ومسلمون من شرفاء الأمة الذين يعون بقوة ووضوح خطورة مؤامرة صفقة القرن ، واقتراب سوريا العظيمة من التشافي من نكبة العدوان الكبرى عليها بشارة خير للأمة ، وبيان ساطع لأصالتها وكفاءتها في الدفاع عن ذاتها ، والشام على مر التاريخ هي الصخرة التي تتكسر على صلابتها أمواج المعتدين ، وإن شاء الله الذين ينصر الصادقين المؤمنين لن يكون مصير صفقة القرن إلا التكسر والتناثر مثلما كان مصير ما سبقها من أمواج الغزاة المعتدين .
وسوم: العدد 778