روسيا وأمريكا وجهان لعملة واحدة
أ . إحسان الفقيه - حفظكم الله - :
أشكر لكم هذا المنشور الهام ، وهو يحدد بوعي الوجه الحقيقي لحالة الاستقطاب التي تعيشها بعض النّخب العربية عبر تزكية الروس على الأمريكان وكذا بالعكس .
وهو إذ يُعيدني في الذاكرة لذات الرؤية التي تنادى بها الشهيد أ . سيد قطب رحمه الله في تشرين الأول من عام 1951 م في ( الفصل الشهيد تحت عنوان والآن ) من كتابه السلام العالمي والإسلام فيقول :
« *في مفرق الطرق .. كتلتان متعاديتان ظاهراً متفقتان باطناً !!*
وتقف الكتلة الشيوعية اليوم في جانب، وفي الجانب الآخر تقف الكتلة الرأسمالية؛ وتحاول كلتاهما أن تستدرج البقية الباقية من العالم إليها؛ وأن تستخدم في المجزرة موارد هذه البقية، مواردها البشرية والاقتصادية والجغرافية جميعاً.
فأما الكتلة الرأسمالية بقيادة أمريكا فتستخدم عدة وسائل لهذه الغاية:
تستخدم أولاً : عامل التخويف للرأسماليين في كل أنحاء العالم، وبخاصة في العالم العربي الإقطاعي، من الشيوعية التي تزحف يوماً بعد يوم ؛ وتناشدهم المصلحة المشتركة بين الاستعمار والرأسمالية، وتلجأ في ذلك إلى المحالفة الطبيعية بين الرأسمالية المحلية والرأسمالية العالمية.
وتستخدم ثانياً : الضغط السياسي والاقتصادي، وأحياناً الضغط المسلح، في البلاد الواقعة في ربقة الاستعمار المباشر وغير المباشر، كما هو الشأن في مجموعة البلاد العربية.
وتستخدم ثالثاً : إغراء الدولار تحت عنوانات كثيرة »
ومن يشاهد المشهد اليوم يجد حالة تبادل الأدوار بينهما والغاية من ذلك استنزاف الموارد بجميع أشكالها واستعمارها، ثم يعود فيقول :
« وإذا كان فينا من يُحسنُ الظن بأمريكا، ويظن أن سيطرتها ستحد من شـر الاستعمار، فلينظر كيف تقف أمريكا في صف هذا الاستعمار، وكيف تَمدَّه بقوة الحديد والنار عند الاقتضاء .. » ، وها هي أمريكا بنفس الوتيرة تمد الاحتلال الصهيوني والأنظمة الاستبدادية بالمعونة والسلاح .
أما روسيا : « لقد دلتنا تجربة فلسطين على حقيقة ما تضمره لنا روسيا الشيوعية، لقد وقفت منا موقف العداء في مجلس الأمن، كما أن أسلحة الكتلة الشيوعية لليهود هي التي وقفت في وجوهنا بفلسطين ؛ ذلك أن روسيا كرهت أن يكون للأمة العربية كيان » ، وما أشبه اليوم بالبارحة وهي تقف اليوم بسلاحها في وجه الثورة السورية الباسلة .
ثم يوصي سيد قطب رحمه الله من بعده من الأمة عدة وصايا منها :
« إن طريق الخلاص للبشرية المنكودة الطالع لن يكون هو الانضمام إلى هذا المعسكر أو ذاك، ليسحق أحدهما الآخر سحقاً، ويخلو له وجه العالم، يسيطر عليه وحده ويُسيِّره كما يريد .. »
والسبب في رؤيته المتقدمة منذ عام 1951 م ، وكأنه رحمه الله يصف في ذلك الزمان مشهد اليوم بكل تفاصيله .. أنه يؤمن أنّ « ميدان الحرب القادمة الأرض العربية والإسلامية .. وإن المعركة في صميمها ستدور في أرض غير أرض الكتلتين ..
ستدور في تركيا وإيران والعراق وسورية، ومصر والشمال الإفريقي .. وفي باكستان وأفغانستان ..
وفي منابع البترول الإيرانية والعربية في عبادان والظهران ... إنها ستدمر مواردنا نحن، وتحطم حياتنا نحن، وتدع أرضنا بَلْقعاً خراباً يباباً »
ليصف سيد رحمه الله حقيقة الخلاص وخُطّة العمل :
« إن طريق الخلاص هو أن تبرز إلى الوجود من أرض المعركة المنتظرة كتلة ثالثة تقول لهؤلاء ولهؤلاء: لا !
إننا لن نسمح لكم بأن تديروا المعركة على أشلائنا وحطامنا.
إننا لن ندع مواردنا تخدم مطامعكم، ولن ندع أجسادنا تطهر حقول ألغامكم ؛ ولن نسلمكم رقابنا كالخراف والجداء.
إن هذا وحده هو الذي يعيد إلى الأدمغة المحمومة شيئاً من الهدوء؛ وإلى الخطوات المجنونة شيئاً من الاتزان.
ثم يُشْعِرُ هؤلاء وهؤلاء أن في هذه الرقعة الفسيحة الضخمة الهامة ناساً، يُحسَبُ لهم حساب، لا كميات مهملة، ولا ماشية وأذناب! »
« وإن الذين استعمرت دعايات الكتلتين أرواحهم ليقولون:
إن هذا مستحيل ما إليه من سبيل، فنحن لا نملك القوة التي نقف بها حاجزاً بين الكتلتين ؛ وستدوسنا الأقدام من هنا أو من هناك، لا يغني عنا أن نعلن الحياد، أو أن ننضم إلى هذا أو ذاك ! »
وكما كان منشوركم المسدّد يواجه ( المضللين من العرب ) الذين أصبحوا بإرادتهم عبيداً وأشياء! ، فقد اعتبرهم سيد رحمه الله تلك أولوية المرحلة إذ لابد بقوله :
« وجوب مواجهة المحتلين وأعوانهم ..
وأنا أدرك كيف تستعمر الدعاية الأرواح والأذهان ؛ ولكني لا أدرك كيف يهون الناس على أنفسهم إلى هذا الحد الزري، وكيف لا يخجلون أن يصبحوا بإرادتهم عبيداً وأشياء! »
ليختم رحمه الله خلاصة السلام العالمي المنشود بـ :
« العودة إلى راية الإسلام الواحدةِ هي الطريقُ الوحيد الباقي ..
إن هذه الراية اليوم هي شارة الخلاص، وإن كلمة الإسلام لهي الكلمة الأخيرة التي يتنادى بها المسلمون للنجاة، بل تتنادى بها البشرية للأمن والحياة »
وأختم معتذراً عن الإطالة وقد صدق القائل في الأثر :
«كما يحتاج السيف إلى ساعد قويٍّ .. يحتاج القلم إلى فكر مسدّد، وإن أقلامنا اليوم كالسيوف »
فبورك لكم قلمكم المُسدد الراشد، الذي جمع بين رؤية الأمس وحقيقة اليوم ، من مشكاة واحدة ليوقد قنديل الوعي في الأمة ، مكافحين للاستشراف بمستقبل آمنٍ مؤمن للأمة الإسلامية – بإذن الله - ، وجزاكم الله خيراً ..
وسوم: العدد 780