تعديد الزوجات تشريع إلهي منزه عن كل قدح
نشر موقع هسبريس مقالا تضمن نبأ مفاده أن أحد وزراء حزب العدالة والتنمية أراد الاقتران بممرضة كانت تعالجه لتكون زوجته ثانية إلا أن زوجته الأولى وأبناءه رفضوا ذلك . ونشر نفس الموقع بعد ذلك مقالا يتضمن نفي الوزير المعني ما نسب إليه مع التعبير عن اعتراضه على تعديد الزوجات .
والمثير في المقالين هو الطريقة التي تم بها تناول موضوع تعديد الزوجات حيث وصف بأنه سلوك مخالف لما يسمى بالقيم الكونية ،الشيء الذي حملني على الخوض في موضوع التعديد باعتباره تشريعا إلهيا منزها عن كل قدح مهما كانت الجهة القادحة فيه، ذلك أن القدح في فيما شرع الخالق سبحانه وتعالى هو سوء أدب معه ، كما أن تفضيل كل تشريع من وضع البشر عليه هو تجاسر عليه .
وكل تشريع إلهي يساء فهمه أو يساء تنزيله لا يتحمل مسؤولية من أساء الفهم أو أساء التنزيل، لأن الخالق سبحانه وتعالى لا يشرع للبشر إلا ما يصلح لهم في معاشهم ومعادهم . ولا يمكن أن يسد مسد التشريع الإلهي تشريع وضعي وإن نسب إلى ما يسمى القيم الكونية . ولا يرقى إلى هذا الوصف إلا تشريع الخالق سبحانه وتعالى .
ولا يمكن أن يكون الخلاف الحزبي أو السياسي مع حزب يدعي المرجعية الإسلامية سواء صدق في ذلك أم لم يصدق مطية لسوء الأدب مع شرع الله عز وجل . ولا يبالي شرع الله عز وجل بوجهة نظر وزير أو غيره فيه لأنه أسمى وأقدس من أن يتكلم فيه أحد بهواه البشري .
ولقد تم النبش في قضية اقتران وزير بوزيرة من نفس الحزب على سبيل التعديد وعد ذلك فضيحة أعفيا على إثرها من منصبيهما ، وشع رئيس الحكومة يومئذ بحرج كبير، وكأن الأمر تعلق بالفعل بفضيحة أخلاقية دون أن يمنعه ادعاء حزبه المرجعية الإسلامية من الانصياع لابتزاز وهوى من اعتبروا التعديد وهو تشريع إلهي فضيحة .
أما تعديد الزوجات، وأفضل لفظة تعديد على لفظة تعدد كما ذهب إلى ذلك أحد علمائنا الأجلاء لأنه أدق في التعبير عن هذا التشريع الإلهي ، فهو سنة من السنن الكونية التي وضعها الخالق جل في علاه لصالح الجنس البشري ، وقد ختم رسالاته إلى البشر بالرسالة الخاتمة، وفيها هذه السنة الكونية التي ارتضاها الله عز وجل لصفوة خلقه من الأنبياء ، ولو كان فيها ما يقدح فيها لما رضيها لهم وهم عنده من المقربين والمصطفين الأخيار .
والتعديد في الشريعة الإسلامية هو اقتران رجل بأكثر من زوجة واحدة إلى حد الأربع ، ولا يصح اقتران المرأة الواحدة إلا بزوج واحد والسر في ذلك هو أن تعديد الرجل الزوجات يصون النسل بينما تعديد المرأة الأزواج يفسده، ولهذا شرع الله عز وجل التعديد للرجل ولم يشرعه للمرأة كما يطالب بذلك من يعارضون التعديد بذريعة أنه لا مساواة فيه بين الذكور والإناث حتى بلغ الأمر بإحدى المعلقات على المقال المنشور حد القول : " لن أسمح لزوجي بالتعديد ما لم يسمح لي بذلك " وهذا عبث واستهتار بشرع الله عز وجل إن كانت صاحبة القول محسوبة على الإسلام .
ومن ضيق أفق كثير ممن يعارضون التعديد ذكورا وإناثا أنهم يختزلون التعديد في قضية شهوة الأزواج المعددين ، وكأن التعديد ليس هدفه سوى تصريف الغريزة . ولئن حصر التعديد في قضية شهوة الأزواج فقط ، لجاز أن ينسحب ذلك على من يقتصرون على الاقتران بزوجة واحدة أيضا ، وحينئذ لن يختلف النكاح عن السفاح الذي تطلب فيه الشهوة لذاتها بينما تكون في النكاح وسيلة لأسمى الغايات ،وهي المحافظة على النوع البشري للاضطلاع بمسؤولية الاستخلاف في الأرض وطاعة الخالق سبحانه وتعالى . ولا زالت البشرية حتى في هذا العصر الذي بلغ أقصى درجات الاستهتار بالقيم الأخلاقية ، وأقصى درجات الانحلال والتهتك لا تعترف بالنسل الناتج عن السفاح ولا تقر به كما تعترف بالنسل الناتج عن النكاح وتقره بما فيها تلك التي تدين بديانات غير دين الإسلام أو التي لا دين لها أصلا .
وتغييب ما تتوخاه حكمة الله عز وجل من التعديد قصور في التفكير وميل مع الهوى الذي لا يغني من الحق شيئا . وتقتضي الموضوعية أن تحسب للتعديد فوائده التي تعود على أطراف عدة بالنفع ، ذلك أن التعديد ليس مجرد وسيلة يصرف بها المعدد غريزته ويشبع رغبته الجنسية ، ثم ينتهي أمره عند هذا الحد ،بل التعديد باعتباره زواجا مشروعا له ما للزواج بالزوجة الواحدة مما ذكره الله عز وجل في محكم التنزيل من مودة ورحمة بين الأزواج ، ويحصل منه ما يحصل من الزواج بواحدة من نسل ، وتؤسس به الأسر كما تؤسس بزواج الواحدة، بل يفضل زواج الواحدة لما فيه من فرص زواج تتاح لزوجات أخريات فيهن البائسة والمحرومة، والأرملة أم الأيتام، والعانس، واليتيمة ... وغير ذلك من الحالات المثيرة للشفقة ، والتي لا تبالي بها الرافضات للتعديد من النساء بدافع الغيرة ، والأنانية ،والأثرة . والمعدد من الأزواج أكبر مسؤولية من زوج الواحدة إعالة وقوامة وتضحية وصبرا وتحملا . ونظرا لما في التعديد من مصالح للنساء خصوصا فقد جعله الله عز وجل سنة رسله وأنبيائه الكرام صلواته وسلامه عليهم ، وهم منزهون عن الاتهام بالانصياع للشهوة الجنسية كما يتهم بذلك غيرهم من عامة المعددين .
ولا ندعي أن كل معدد يكون قصده من التعديد ما قصده الشارع الحكيم، بل فيهم وربما أكثرهم حين الوازع الديني من لا يرى فيه إلا وسيلة لإشباع غريزته الجنسية ،الشيء الذي جعل التعديد في زماننا وبيئتنا موضوع تندر وفكاهة وكأنه لا صلة له بالدين ، ولم ينزل فيه قرآن كريم ،ولم يكن سنة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ،وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الهداة المهديون وهم قدوة جميع المسلمين . ولهذا يعتبر التندر والتفكه بالتعديد استخفافا بالشريعة الإسلامية المنزهة عن العبث ، ولا يجوز الهزل بالتعديد ،تماما كما لا يجوز ذلك بأمر من أمور الدين عبادة كان أو معاملة .وكما أنه لا يجوز أن يعبث أحد في صلاة أو صيام أو حج لا يجوز له أن يعبث في زواج سواء بواحدة أو في حال التعديد لأن الله عز وجل سماه الميثاق الغليظ ، ولا يمكن أن يكون الزواج بواحدة ميثاقا غليظا ، ولا يكون التعديد كذلك .
وبقي أن نقول إن في التعديد من تربية الأزواج والزيجات ما لا يدركه من قصر إدراكهم وضاق أفق فهمهم، ذلك أن التعديد يعلم الزوجات التحلي بمكارم الأخلاق لأن المعروف عن الزوجة أنها تغار على زوجها من غيرها ،وهو طبع وجبلة فيها لكن حين يتمكن من قلبها الإيمان وتترسخ لديها القناعة بأن شرع الله عز وجل منزه عن كل عيب ، وأن ما شرعه سبحانه هو الصواب و فيه خير لها ولغيرها تتخلق بأخلاق القرآن ، وتنتقل من إنسانة تسيطر الغيرة العمياء على قلبها ،وتعمي بصرها وبصيرتها إلى إنسانة تعرف رفعة الإيثار وسموه كخلق كريم يقضي على الغيرة التي تورثها الأثرة السيء . ولقد ضربت نساء خير القرون وهو قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في التحلي بالإيثار الخلق الكريم حيث كن يعشن في أكناف أزواج معددين، وكن أخوات في عصمتهن لا غيرة بينهن إلا ما كان يرضي الله عز وجل . وعلى دأبهن صارت نساء القرون التي تلت خير القرون، فخلفت بعد ذلك قرون كقرننا هذا الذي صار التعديد فيها فكاهة وتندرا ،وصار سلوكا يتهم بأنه مخالف لما يسمى قيما كونية ، وهي قيم تجيز الفواحش من رضائية والمثلية ...وغيرها ،وتدين ما شرع الله عز وجل، وجعله صيانة للكرامة الإنسانية التي بلغت أقصى درجات الابتذال في هذا العصر المشئوم بأفعال بشر متمرد على فطرته التي فطره عليها خالقه .
أما المعددون فإن التعديد يعلمهم الخوف من الخالق عز وجل لما أحاط به التعديد من تحذير لمن يخل بضوابطه ، وهو يعدّل من سلوكهم ، فتزداد مودة ورحمة المعددين مع زيجاتهم ، وتكون أكثر منها عند غير المعددين، لأنه من المنطقي أن تتسع مودة ورحمة المعددين بعدد الزيجات . ولا يعقل أن يقر البعض بمودة ورحمة زوج الواحدة ، وينكرون ذلك عند المعدد . والدليل القاطع على أن حظ المعدد المعدد من خلق المودة والرحمة يكون أكبر من حظ زوج الواحدة أنه تشمل مودته ورحمته كل أبنائه وبناته من كل زوجاته لا يفرق بينهم ، ولا يكون ذلك إلا لمن كان حظه من المودة والرحمة أوفر وأكبر وأشمل .
وفي الأخير نجزم أن التعديد فيه من الخير ما لا يعده عاد، ولا يحصيه محص، ولا يعلمه إلا من شرعه سبحانه وتعالى ، وهو خلاف ما يظنه المبطلون والمغرضون والمفسدون في الأرض الذين يجعلون أبواب الفواحش مشرعة ، بينما يشيعون على التعديد الزور والبهتان ، ويختارون أسوأ النماذج من المعددين يستشهدون بها لتشويهه وتنفير المسلمات والمسلمين منه .
ومن المؤسف أن يكون التعديد في بلادنا سببا في إقالة وزير ووزيرة من منصبيهما، بينما لا يقال وزير يجيز علانية الزنا تحت مسمى العلاقة الجنسية الرضائية . والأشد أسفا أن يقبل رئيس حكومة سابق قرار إقالة الوزيرة والوزير بسبب التعديد ، ولا يحرك رئيس الحكومة الحالي ساكنا عندما يجيز وزير في حكومته فاحشة الزنى . ومؤسف جدا أيضا أن يتنكر وزير محسوب على حزب يدعي المرجعية الإسلامية صدق في ذلك أم كذب للتعديد خوفا أو تملقا أو مسايرة لأصحاب الأهواء الضالة. وكان الأجدر به أن يستحضر لقاء الله عز وجل، وهو ذو شيبة وعلى وشك الرحيل إلى الدار الآخرة ليقول في شرع الله ما يرضيه سبحانه ويغيض أعداءه . ولو كان الدين أهم من السياسة عند وزراء حزب يدعي المرجعية الإسلامية لاستقالوا جميعا يوم أقيل وزيرهم ووزيرتهم بسبب التعديد ثم عددوا جميعهم تضامنا معهما عوض التنكر لهما إرضاء للشامتين بهما وبالساخرين منهما والمستخفين بالتعديد، وهو شرع الله عز وجل مقابل الانتصار والدعوة إلى شرائع الأهواء المستبيحة للأعراض التي من ضمن ما صانها به الخالق سبحانه وتعالى التعديد .
وسوم: العدد 780