امرأة التلفزيون!

لاريب أن الدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية لها تأثيرها القوي في تشكيل النموذج الإنساني الذي ينشأ ويتحرك على أرض الواقع في صورته الإيجابية أو السلبية. ويلحق بالأعمال القصصية المصورة؛ العاملون على الشاشات من مذيعات ومذيعين وضيوف وغيرهم. فهم جميعا يكوّنون صورة نموذجية يقتدي بها المشاهد وخاصة من فئة الشياب والأطفال.

وتظل صورة المرأة المصرية أكثر تأثيرا وحساسية بحكم اهتمام المجتمع بدورها- المفترض- وأدائها، وصياغة واقعه ومستقبله المرتبط بها، فهي الأم الطيبة، والزوجة الوفية، والابنة الحنون، والشقيقة العطوف، ثم هي الجدة أو الحفيدة التي تملأ الدنيا ندى وطراوة وخيالا وسحرا في جوّ عائلي أو أسري يفيض بهجة وسعادة، ويتجاوز متاعب الواقع وصعوباته بصورة وأخرى.

هل يقدم التلفزيون أو السينما أو الدراما بصفة عامة هذه المرأة المصرية العريقة في تفانيها وعطائها وروحها الإنساني؟

الإجابة من خلال الأعمال التي ظهرت في العقود الأخيرة على الشاشة لا تقدم حالة مرضية، فالمرأة التي نشاهدها كائن آخر، لا يكاد يمت بصلة إلى الهوية التي ألفناها قبل سبعين أو ستين عاما. قد يقول بعضهم إن الزمن يتغير، والكائنات تتغير بما فيها المرأة، وهذا صحيح، فالدراما أو القصص المصورة وما يشبهها تقدم الواقع وتجتهد في تقديمه من القاع إلى القمة. وللأسف فإن الصورة التي نشاهدها لا تكاد تنتسب إلى الواقع بسبب أو صلة.

في رمضان الماضي مثلا قدم العاملون في مجال الدراما قرابة ثلاثين مسلسلا طويلا (كل مسلسل في 30 حلقة) بدت فيها المرأة كائنا مختلفا إلى حد كبير، وبدت مصدر السلبيات والأخطاء التي كانت من خصائص الرجل، فضلا عما يتعلق بهيئتها وصورتها العامة.

امرأة التلفزيون لا تعلم أن نحو 90% أو أكثر من نساء مصر محتشمات أو يرتدين الحجاب، فتظهر على هيئة سيدة أوربية ترتدي ملابس كاشفة من أفخر أنواع الثياب التي لا تتوفر إلا لبنات أو نساء الطبقة الجديدة التي لا تتعب في الحصول على المال. تشعرك صورة المرأة التلفزيونية أنك تعيش في مجتمع آخر لا يمت بصلة إلى المصريين. وقد رصد تقرير لما يسمى المجلس القومي للمرأة أن هناك سبعة مسلسلات فقط من الثلاثين مسلسلا ظهرت بعض شخصياتها النسائية بالحجاب! مع الإشارة إلى أن ذلك يمثل زيادة عن العدد الذي ظهر في العام السابق.

وتبدو هيئة المرأة في الأغلبية الساحقة من الشخصيات النسائية كئيبة أو تقدم الوجه المقلوب المشمئز، الذي يزوي ما بين الحاجبين، في حالة نفور من الآخرين وغضب غير مفهوم، وكما يعبر أبناء البلد تصنع الرقم 111 بين عينيها، فتشيع الكآبة على وجوه الآخرين. بالإضافة إلى ذلك فشكلها مصبوغ بالطلاء والألوان والرموش الصناعية والباروكات وفنون البيوتكس، يستوي في ذلك الكبيرات والصغيرات.

وهي امرأة صوتها عال، وتكاد تصرخ تمهيدا لضرب من أمامها، وهي سليطة اللسان، شتامة رداحة، لا تعبأ بقول حسن أو لغة لينة مع من حولها، وهي امرأة قوية بالمفهوم الشعبي، تجعل الرجل قزما في حضرتها، يرجوها ويستعطفها ويقدم لها قرابين الولاء والطاعة، وتبرهن أن المجتمع نسوي، لا ذكوري كما تشيع كتابات المستغربين في بلاد العروبة والإسلام!

ثم هناك إصرار على أن تكون الزوجة عدوا لحماتها وشقيقات زوجها أو العكس، وأنانية في حياتها إزاء أقارب زوجها، شديدة الأثرة في فيما يتعلق بالبذل والتضحية، تمثل جزءا من المشكلة دائما ولا تكون عنصرا من عناصر الحل، تحيا بمنطق هات، وليس منهج خذ.. كانت المرأة قديما تضحي وتحل المشكلات، وتعالج الجروح العاطفية والاجتماعية، ولكنها باتت في التليفزيون تشعل النار، وبدلا من الأنوثة فهي تحمل صفات الذكر المستبد الظالم.

في مسلسل أرطغرل، شخصية محورية اسمها الأم هايماه، أو هائمة، وهي زوجة سيد قبيلة الكايي، وقد عاشت مع جيل الأبناء والأحفاد، وعانت متاعب القبيلة وصراعاتها مع غيرها من الخصوم والأعداء، والأهم في ذلك أنها كانت مع بنات جنسها مثالا للرأفة والرحمة وتأليف القلوب والحزم واستقطاب الشاردة والواردة من خلال رؤية إسلامية بسيطة وفطرية، جعلت لها هيبة ووقارا وحضورا إنسانيا نديا. امرأة التلفزيون المصري تضع ساقا على ساق وترفع الكأس والسيجارة في مواجهة الرجال، وأحيانا مبسم الشيشة، وكأنها زعيم للفتوات، أو شيخ حارة يجلس على مقهى شعبي في حي من أحياء  القاهرة أو غيرها من المدن الكبرى.

ومع غرابة هذه الصورة، فإن صورة أكثر غرابة بل بشاعة تتبدى حين نعلم أن امرأة التلفزيون تعمل بإصرار للتطبيع مع العلاقات المحرمة وكأنها أمر عادي، لا علاقة له بالدين أو الشرف أو الأخلاق، فهي تخرج بحريتها، وتقابل من تشاء وتصادقه، وتسهر في أماكن اللهو أو غيرها، دون أن تجد في ذلك غضاضة أو خروجا على النص! ويا ويل الزوج إذا مرض أو أخنى عليه الدهر أو أصابته ضراء، فإنها تتركه في محنته، وتمضي إلى دنيا أخرى بعيدة عن المتاعب.

وتجيء الصورة الأخطر، حين توضع المرأة في سياق جديد عليها، وخاصة في مجالات التجارة والمقاولات والشركات وإدارة الأعمال والمناصب القيادية بالبنوك والإدارة المحلية ونحوها، حيت تتحول إلى قاتلة ومرتشية ومختلسة ومزوّرة وخاطفة أطفال، ومنتقمة، وشريكة في تجارة حرام. تتفنن المرأة التلفزيونية في تسميم من ترى أنهم خصومها أو أعدائها، وقتلهم بطرق لم نسمع من قبل كما حدث في أحد المسلسلات، حيث تذيب جثة زوجها في بانيو الحمام( وهو شغل مخابرات دولية سمع الناس عنه منذ عقود) أو تضع خصمها الرجل في قفص وتسكب عليه الوقود ثم تشعل فيه النار اقتداء بما قيل إنه سلوك إرهابي حدث في بعض البلدان العربية. ناهيك عن قيام المرأة التلفزيونية بتصوير المشاهد الجنسية وتقديم اللغة الجنسية دون خجل، وقد رصدت الهيئة الوطنية للإعلام 43 إيحاء ومشهدا جنسيا في مسلسلات رمضان الماضي. فهل هذه هي المرأة المصرية على أرض الواقع؟

لقد تراجعت الصفات الإيجابية التي ظهرت فيها المرأة مثل مساندة المحيطين بها والتضحية والحفاظ علي الأسرة والزوج والمرأة المتحدية للظروف الصعبة والمرأة الأصيلة التي تحافظ علي العادات والتقاليد وقيم المجتمع. فضلا عن الالتزام بالدين وقيمه، وهو ما يعني أن تجار الدراما ماضون في تغيير المجتمع لصالح جيوبهم وجهات معادية للوطن والإنسانية.

الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم.

وسوم: العدد 782