المفاوضات الأميركية الإيرانية تدشّن برعاية عمانيّة

تتسارع الأحداث في إيران، ووسائل الإعلام الإيرانية تنفي وساطة سلطنة عُمان لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة؛ ووزارة الخارجية الإيرانية تصرّح: بأنه لا توجد إمكانية للتفاوض مع واشنطن، ووزير خارجية عُمان يبذل جهودًا مكوكية لإجراء مفاوضات بين الطرفين، أما وسائل التواصل الإيرانية فتدشّن هاشتاق سياسات طوارئ "روحاني" تفشل في مواجهة الغلاء، ويتناقلون صوراً لأحد التجار الإيرانيين، وهو يكنس العملة الوطنية "التومان " ويضعها في سلة مهملات، بعد أن تجاوز الدولار الأميركي حاجز 11 الف تومان؛ وباتت ورقة المائة دولار تزيد عن المليون تومان، في حادثة غير مسبوقة.

 بالمقابل يتساءل الإعلام الإيراني المحافظ؟ هل سيفعل الأوروبيون شيئًا لمساعدة إيران في مواجهة الضغط الأميركي، بعد حوالي شهرين ونصف، من إعلان قادة الدول الـ 28 الأعضاء في قمّة صوفيا أنهم مصممون على الحفاظ على الاتفاق النووي، ثم أخبروا المفوضية الأوروبية أن تقدم اقتراحات ملموسة للحفاظ على هذا الاتفاق. وقد أعلنت المفوضية الأوروبية عن ثلاثة مقترحات محددة:

أولًا: تحديث قوانين الانتهاكات.

ثانيًا: أن يزيل بنك الاستثمار الأوروبي العقبات أمامه للذهاب إلى إيران، وسيتم إزالة هذه العوائق.

 ثالثا: طلبت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من بنوكها المركزية العمل مع البنك المركزي الإيراني ...

 وأمام هذه الإجراءات ماذا كانت النتيجة؟

 الاعتقاد الجازم في طهران بأن هذه الجهود الأوروبية لن تكون فعالة أمام العقوبات الأميركية، والتي لم تبدأ واشنطن في فرضها بشكل فعليّ قبل أقلّ من أسبوع من بدء تنفيذ عقوبات، فبمجرد التلويح بفرضها انهار التومان، بينما تقول الدول الضامنة للاتفاق النووي: "إن جهود الاتحاد الأوروبي قد تمضي قدمًا. لكن اليأس واضح؛ حتى بين السياسيين الإيرانيين، ويبدو أن إيران قرّرت بعد الفشل المتواصل لإجراءات الإنقاذ أيضًا، ان تجرّب طرقًا أخرى، للوصول إلى أهدافها، وهو التفاوض المباشر، ومن غير المحتمل مطلقاً، أن تكون المساعي الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي ناجحة وفعالة.

 بالأمس انتابني الشعور بالسخرية من تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية الذي نفى المفاوضات السريّة مع الولايات المتحدة بوساطة عمانية. بالطبع فهناك سابقة تؤكد بأن الرواية الرسمية لما يجري تختلف عما يجري عمليا وفي الواقع، وليس خافيًا أنّ عمان لعبت في الماضي دورًا في المفاوضات التي تجري وراء الكواليس بين إيران والولايات المتحدة، لكن أن نقول: إنه ستكون هناك مفاوضات أم لا؛ أعتقد أننا يجب أن نعود قليلا للماضي، حيث كان هناك مفاوضات مباشرة حول أفغانستان والعراق والملف النووي وغيرها الكثير، وليس فقط المفاوضات حول إطلاق سراح المارينز الأمريكيين أو متسلقي الجبال اللذين تاهوا في إيران ...

 من المؤكد بأن الولايات المتحدة هي من يطلب من إيران التفاوض الآن، وهو ما أعلن عنه ترامب ولكن دون شروط مسبقة وقابله روحاني بشرط عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، والمسؤولين الإيرانيون يتبجحون ويقولون: إن السيد "ترامب" طلب التفاوض مع السيد "روحاني" ثماني مرات على هامش قمّة الأمم المتحدة.

 في إيران على هذا النحو الذي نشاهده اليوم؛ فهم يرغبون في التفاوض مع الولايات المتحدة؛ وبالذات السيد "روحاني" يريد أن يتصدر المشهد، ويحمل لواء تدشينها. وهناك دوافع لذلك، فالحكومة باتت الآن تحت خط النار، والظروف الاقتصادية في إيران منهارة تماما. لكن من ناحية أخرى فهناك نقطة مثيرة يجب التركيز عليها، فالمرشد والحرس الثوري يعارضان محادثات حكومة روحاني، فهم يريدون إيصال الأوضاع إلى مزيد التعقيد للدرجة التي قد يضطر عندها الرئيس "روحاني" إلى الاستقالة، أو إجراء تغييرات واسعة في حكومته، وجلب نخب متشددة محسوبة على مكتب المرشد وحرسه الثوري، وهم الذين تقع على عاتقهم مسؤولية التفاوض مع الولايات المتحدة، وبالتالي سيكون علي خامنئي هو بمثابة "سبايدر مان" الذي تقع على عاتقه مسؤولية إنقاذ الدولة والثورة.

 بينما التيار المحافظ يتلذذ بتصريحات "ترامب"، لأنها ستزيد من الضغوط وستوصلها الى المرحلة الحرجة، وهذا سيؤدي إلى تحميل روحاني وحكومته الفشل في إيجاد الحلول السحرية.

 لكن ما الذي من الممكن أن يجعل واشنطن تتراجع عن التفاوض مع إيران، الجواب حتماً من خلال توظيف إيران لدبلوماسية حافة الهاوية، لقياس ردة الفعل لدى ترامب واختبارها، فمن الممكن أن تقوم إيران بعمليات ارهابية ضدّ المصالح الأميركية في العراق أو أفغانستان أو سوريا أو لبنان ... أو في أي بقعة من العالم، أو أي عمل طائش في مضيق هرمز أو باب المندب، على سبيل المثال إذا هاجموا إحدى الناقلات أو القطع البحرية مجددا. وفي هذه الظروف، يمكننا القول بأن الولايات المتحدة لن تفكّر أساسا في التفاوض، وقد تتخذ إجراءً ضد إيران أو حلفائها قبل انتخابات الكونجرس في الولايات المتحدة في شهر نوفمبر من هذا العام، الأمر الذي يضع مصداقية ترامب ومن خلفه الجمهوريين على المحك.

 دعونا نراقب عن بعد ما سيجري، وهل ستسفر جهود سلطنة عمان المحطة الأولى، و "عرابة التفاوض " عن أية نتائج ملموسة لإنقاذ طهران اللاهثة وراء واشنطن للوصول إلى حلول قبل فوات الأوان.

وسوم: العدد 783