سوريا اليوم على مفترق طرق

قال المعارض والمفكر السوري وأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في باريس د.برهان غليون، إن سوريا اليوم على مفترق طرق وأمام خيارات «أحلاها مُر» انطلاقًا من ظروف الحرب الراهنة والتي صارت مركبة ومعقدة يدفع فيها السوريون من دمهم ومستقبلهم ثمنها الإضافي.

وتحدث غليون –في حوار خاص مع «البيان»- حول التدخل الروسي في سوريا، معتبرًا أن موسكو متورطة في الحرب حتى العظم وقد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، كما تطرق للموقف الإيراني، مشددًا على أن طهران برعت في ابتزاز العالم بالإرهاب واستخدامه للتغطية على مشروعها التوسعي، وأنها –طهران- لا تتصور سوريا إلا كامتدادٍ لها وولاية من ولاياتها. وتحدث غليون كذلك عن الدور التركي معتبرًا أن أنقرة تتجنب المواجهة مع روسيا وإيران.

وإلى تفاصيل الحوار:

انطلاقاً من التطورات الراهنة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وكذا السياسي والعسكري، كيف ترى الأفق السياسي حاليا فيما يتعلق بالأزمة السورية؟

نحن على مفترق طرق، إما التوصل إلى تسوية باتفاق جميع أو أغلب الأطراف -وأعني بها السورية والأجنبية معًا، لأن الحرب صارت مركبة ومتشابكة أو إطلاق حلقة جديدة من حرب شاملة وأكثر دموية للجميع ضد الجميع، ويدفع السوريون من دمهم ومستقبلهم ثمنها الإضافي.

ومما يعيق التقدم نحو مفاوضات تسوية جدية الانعدام الكامل للثقة بين جميع الأطراف، بين السوريين من جهة وحلفاء معسكراتهم المتنازعة من جهة أخرى، والثقة بالمنظمة الدولية وبالمبعوثين الدوليين وبالمؤسسات الإنسانية والإغاثية. نحن كسوريين في وضع مفتوح على كل المخاطر، وكثورة أو معارضة أمام خيارات أحلاها مر. والمر فيها ليس بالضرورة -في ظروف وشروط تنظيمنا وعملنا وتشتتنا سهل المنال.

منذ التدخل الروسي تغيّر الوضع كثيرًا، إلا أن محللين روساً رأوا أن موسكو مثقلة بهذا التدخل ولا تستطيع الخروج من المستنقع السوري، هل تتفق مع ذلك الرأي؟

روسيا متورطة اليوم حتى العظم في الحرب السورية وفي جرائم ضد الإنسانية أيضاً. لكنها ليست عاجزة عن الخروج من الورطة. بل إن لديها الآن فرصة كبيرة جدًا لتحقيق كل أهدافها من التدخل العسكري في سوريا، وهي تحظى بدعم جميع الدول، بما فيها تلك التي تنتقدها من أجل المساعدة على الخروج من الحرب.

وهي وحدها التي تملك بحكم سيطرتها على الجو وعلاقاتها مع النظام وطهران وكذلك علاقاتها القوية مع أنقرة ودول عربية- مفتاح الحل.

يقف في وجه ذلك عاملان: الأول مقاومة وممانعة طهران لأي حل سياسي يحرمها من إمكانية قطف ثمرة جهودها الطويلة والمكلفة في تقويض الدولة والمجتمع السوريين، وتغيير بنيته الديمغرافية والمذهبية حسب ما تحتاجه مصالحها الجيوستراتيجية. والأمر الثاني تفاهم أو على الأقل حوار مثمر مع أوروبا لتغيير طبيعة العلاقات الغربية الروسية.

وربما ساعد وصول إدارة واشنطن الجديدة برئاسة دونالد ترامب على تذليل العقبة الأوروبية، لكن يحتاج تذليل العقبة الإيرانية في نظري إلى مواجهة جدية لسياسة طهران الاستعمارية المكشوفة، وتحجيم أطماعها في المنطقة، وربما وضع حد لابتزازها العالم بالإرهاب الذي برعت في التلاعب به واستخدامه للتغطية على مشروعها التوسعي. ولن يكون ذلك ممكنا من دون تفاهم روسي أميركي.

بحلول العشرين من يناير يغادر أوباما البيت الأبيض ويتولى ترامب رسميًا، ما المتوقع من إدارة ترامب فيما يتعلق بالملف السوري، خاصة مع تصريحات بدت متناقضة منذ فترة الانتخابات وحتى الآن؟ وهل تتوقع تفاهمًا أميركيًا «عميقًا» مع روسيا بشأن سوريا؟

لا يستطيع أحد أن يتوقع بالضبط ماذا ستكون عليه خيارات ترامب الرئيسة في الملف السوري. لكن من المحتمل جدًا أن تتخذ منحيين: التفاهم مع موسكو حول خطة لمواجهة الإرهاب الدولي، وبالتالي خلق الشروط المساعدة على ذلك في سوريا ودعم عملية تسوية سياسية فيها.

والثاني دعم موسكو أيضا في مواجهة طهران الرافضة لأية تسوية في سوريا، وإجبارها على تخفيض سقف توقعاتها ومطالبها، لذلك من المحتمل أن يلعب دخول الإدارة الجديدة دوراً أفضل في تعزيز فرص المفاوضات والتسوية السياسية والحد من مناورات طهران ودمشق لإجهاض جهود الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف الحرب الهمجية.

وبالعودة للدور الإيراني، ما دلالات تجول الجنرال الإيراني قاسم سليماني بحلب.. وكيف ترى الدور الإيراني في سوريا ومستقبله في ضوء التداعيات الراهنة؟

عرض صور قاسم سليماني وهو يتجول في حلب في الوقت الذي كانت ميليشياته تقتل المدنيين وتصفيهم بالعشرات كان ذلك رسالة موجهة لموسكو بالدرجة الأولى مفادها أننا نحن الذين نملك الأرض، وأن روسيا لا تستطيع أن تقرر مصير الحرب السورية وحدها. وهي بداية المناورات الإيرانية لإحباط جهود موسكو التي ترى أن من مصلحتها الآن العمل على إيجاد تسوية تكرس انجازاتها العسكرية والاستراتيجية وتعيد الاعتراف بها كقوة دولية فاعلة وإيجابية في الوقت نفسه. وهذا يتعارض مع مشاريع إيران التي لا تتصور سوريا إلا كامتداد لإيران والعراق وولاية جديدة من ولايات إيران الخامنئية الإمبراطورية، وثمرة من ثمرات ما تنظر إليه كفتح مضاد للفتح الإسلامي العربي في القرن السابع الميلادي.

ما تحليلك للدور التركي وتداعياته في ظل التقارب الروسي- التركي، والتركي الإسرائيلي؟

بعد مخاطر العزلة والانقلاب التي واجهتها تركيا مطلع العام، لم يعد المسؤولون الأتراك يخفون أن الأولوية اليوم لديهم هي الدفاع عن مصالح تركيا وأمنها القومي، وهذا يعني بالدرجة الأولى تجنب المواجهة مع الدول الأخرى، وأولها روسيا وإيران وغيرهما من الدول الغربية طبعاً. ومن الطبيعي أن يقود ذلك إلى القبول بمنطق التسوية على سوريا بين الأطراف الدولية المتنافسة على السيطرة والنفوذ فيها.

وسوم: العدد 785