إيران: لا حوار ولا حرب مع أميركا، وواشنطن مستعدة للتفاوض مع الحرس الثوري شريطة الإطاحة بخامنئي
في أول ردّة فعل للمرشد الإيراني على انهيار العملة الإيرانية وموجة الغلاء التي تجتاح إيران، أطلّ المرشد "خامنئي" بخطابه محاولاً توجيه رسائل للداخل الإيراني، حيث أكد بإن السبب الرئيس وراء ارتفاع الأسعار والذهب في إيران ليس سببًا خارجيّا، إنما هو داخلي، وفي معرض انتقاده للمسؤولين قال: إنّ المشكلة الرئيسة في إيران اليوم تتجلى في موجة الغلاء، حيث سببت الكثير من المآسي والمعاناة للشعب، كما أكّد "خامنئي"، في حديث له أنّه لن يكون هناك حرب، ولن تتجه إيران لإجراء محادثات مع الجانب الأمريكي، وفي هذا الصدد قال: إن المفاوضات التي أجريت بغية الاتفاق النووي كانت مفاوضات خاطئة، وقد أخطأت حين وافقت على إجراء هذه المفاوضات، إلّا أن إصرار البعض دفعني للسماح بإجراء هذه المفاوضات، وقد تجاوزت هذه المفاوضات الخطوط الحمراء، دون توضيح ماذا يعني بذلك .
يضيف "خامنئي " يريد العدو أنّ يبث السموم ويوهم الناس بأنّ الدولة الإيرانية قد وصلت إلى طريق مسدود، وأنا أقول هنا إنه لا يوجد طريق مسدود في البلاد، وفيما يتعلّق بالمجال الاقتصادي فلا توجد طريق مسدودة وليس لها حلّ؛ فالمشكلات التي تعاني منها البلاد هي مشكلات اقتصاديّة. كما أنّ سبل حل هذه المشكلات معروفة أيضاً، دون توضيح سبل المعالجة للخروج من عنق الزجاجة.
حديث خامنئي تركّز حول المشكلة الاقتصادية في إيران، الأمر الذي جعل الإيرانيين يتندرون على الوضع الكارثي الذي وصلت إليه الدولة الإيرانية، وعجزها عن إيجاد الحلول.
من المؤكد بأن كلام "خامنئي" يحتوي[W1] على تناقضات واضحة وصارخة، وهذا يتضح على سبيل المثال من خلال رؤيته للتفاوض مع واشنطن، فسابقاً أسهب " خامنئي " في الحديث عن مقترح المفاوضات بين الرئيس الأمريكي "ترامب" وإيران، وتناول طبيعة الشروط التي ستفاوض عليها أمريكا الجانب الإيراني، حيث ذكر أكثر من مرّة، وفي أكثر من مناسبة أن الإدارة الأمريكية تريد التفاوض مع إيران دون شرط مسبق، كما عاد وقال: بوجود شرط مسبق، ولهذا أراد أن يوضّح أن الإدارة الأمريكية عندما تضع هدفا نصب أعينها ولغاية الوصول إلى هذا الهدف، فإنها ستمارس جميع أنواع الضغوط الممكنة بغية الوصول إلى هذا الهدف. ثم ذكر عددا من المسؤولين الإيرانيين وفي مقدمتهم الرئيس روحاني، ووزير خارجيته " ظريف " أن إيران مستعدة للتفاوض شريطة عودة واشنطن للاتفاق النووي، ثم قالوا دون شرط أو قيد.
ثم تطوّع العديد من المسؤولين الإيرانيين، وأدلوا بدلوهم بأن أمريكا ستمارس الضغط على إيران كي تجبرها على الجلوس على طاولة المفاوضات لكن ما الذي استجد ليدفع "خامنئي" إلى القول: بأنه لن يسمح بإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة. بالتأكيد هو لا يريد أغلاق الباب أمام أي آمال أو احتمالات كانت قد تمّ طرحها في الأسابيع الماضية، وبخاصة بعد طلب واقتراح "ترامب" القبول بالمفاوضات مع طهران، لكن تركيز "خامنئي" بأنه لن تكون هناك حرب مع أميركا، فإنه يسعى بذلك إلى تهدئة الأوضاع الداخلية، وانعكاس ذلك على الاقتصاد الإيراني الذي يحتاج إلى التهدئة، حتى يستقر سعر صرف العملة الوطنية " التومان ".
من المؤكد أن هناك تناقضاً واضحا، في كلام "خامنئي" مما سيؤثر على الوضع الداخلي الملتهب، لأنه ليس بوارد تحمّل تبعات هذا التناقض؛ وهذا الأمر سيؤدي إلى حالة من انعدام الأمن، وزيادة وتيرة القلق الاجتماعي، وسيضاف أيضا إلى الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى الاحتجاجات الاجتماعية وحتى السياسية، ومن المستبعد أن يكون كلام "خامنئي" سببا ودافعا لطمأنة الناس الذين كفروا بالنظام وسياساته.
اعتبرت قطاعات واسعة من الإيرانيين أن حديث "خامنئي" ينطوي على الكثير من التناقضات، وسخروا مما جاء فيه معتبرين أنه هو العقبة الرئيسة أمام إجراء المفاوضات، واتهموه بأنه لا يريد لهذا البلد أن تتحسن أوضاعه، لا يريد أن تجرى اصلاحات، وأنه لا توجد نية جدية لديه لمحاربة الفساد، هو مركز الفساد وبؤرته، وحاشيته هي التي تحمل لواء الفساد. المعلومات الواردة من إيران تتحدث عن رسالة أميركية واضحة وصلت إلى الحرس الثوري مفادها أن العقبة الرئيسية هي "خامنئي"، ونحن ليس لدينا أي مشكلة معكم في التفاوض؛ ربما يكون كلام الامريكيين هذا إشارة ضمنية أنه ما دام "خامنئي" على رأس السلطة ، فلن تحل هذه المشكلة؛ فهو المسؤول المباشر عن تدهور العلاقات مع كافة دول العالم، وهو الذي يتحمل المسئولية عن انهيار الوضع الاقتصادي، و التهرب من إجراء الإصلاحات؛ واعتبار "خامنئي" هو الشخص الذي أودى بالنظام إلى الهاوية، ولم يعد هناك أي سلطة لأحد غيره، ففي يده كافة البنوك والقدرة والثروة والمافيات الخاصة بالغذاء والدواء وبيع النفط والغاز ... والتي تُحكم يدها على الاقتصاد فقدرة "خامنئي" الآن تفوق قدرة الحرس الثوري والحكومة فالحكومة فقدت السيطرة على مقاليد الأمور، وباتت عاجزة تماماً، وحديث في الغرف المغلقة وتهديد "روحاني" بالاستقالة إذا ما انفلتت الأمور وخرجت عن السيطرة وخاصة بعد اشارات خامنئي والذي هو كعادته يتملص من المسؤولية، وكان من المثير للاهتمام أنه أشار إلى أن جميع المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران تتحمل مسؤوليتها حكومة "روحاني" واعتبر أن الحكومة هي المسؤولة عن الأزمة الحالية، بقوله إن هذه المشكلة كان من الممكن السيطرة عليها. والمسألة الأكثر أهمية أن "خامنئي" أشار إلى خطاب انتقادي وقع عليه 38 من الاقتصاديين موجه للرئيس "روحاني" وأيده هو بنفسه، واصفاً هؤلاء بالخبراء الوطنيين، التي أرسلت رسالة "لروحاني" طالبة منه إجراءات عاجلة لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، لكنهم أيضا نبهوا لتدخل المؤسسات العسكرية، وأشاروا إلى مشكلة اتخاذ القرار في الحكومة وأزمة عدم الثقة، وأشاروا كذلك إلى تدخل الجيش والحرس الثوري والمؤسسات الأمنية في السياسة الخارجية. ومن الغريب أن "خامنئي" قد وافق على هذا الخطاب؛ في حين أن جزءًا من هذه الانتقادات التي وردت في الخطاب، موجهة له شخصيا، وللهيئات التابعة له خاصة حرس الثورة.
فإيران اليوم على مفترق طرق خطير، فالاحتجاجات متواصلة، ونبرة التحدي "لخامنئي" ومطالبته بالرحيل مستمرّة، والأوضاع الاقتصادية إلى انهيار، و"روحاني" على استعداد لحزم حقائبه ومغادرة قصر " نيافران "، والحرس يترصد للانقضاض، وطهران تعلن بالأمس استعدادها للحوار، واليوم تنفي، ولا حلول اليوم واضحة بالأفق.
[W1]
وسوم: العدد 785