القوات الامريكية فى مصر مجددا
للسنة الثانية على التوالى، تعود "مناورات النجم الساطع" بين الولايات المتحدة ومصر ودول اخرى بعد ان كانت قد توقفت فى الفترة من 2010 الى 2016.
وهى المناورات التى قال عنها الأمريكان انها كان لها دورا محوريا فى نجاح غزوهم للعراق، حيث قدمت مصر لهم ولحلفائهم من القوات الاوروبية، بيئة تدريبية صحراوية قريبة الشبه بالبيئة العراقية.
والتى قالوا عنها ايضا ان من اهدافها تغيير العقيدة العسكرية المصرية من شرقية الى غربية، وتوثيق العلاقات بين العناصر العسكرية للطرفين كخطوات هامة فى طريق بناء ورعاية التعاون و"التحالف" العسكرى بين مصر وامريكا.
***
بدأت هذه المناورات، وياللعجب، فى اوائل الثمانينات بعد سنوات قليلة من حرب 1973، تلك الحرب التى قاتل فيها العدو الأمريكى الى جانب (اسرائيل)؛ فاقام لها جسرا جويا لنقل السلاح لاجهاض النصر المصرى، وقام بمدها بالمعلومات اللازمة لتنفيذ ثغرة الدفرسوار، التى قلبت الموقف العسكرى وعصفت بالنتائج السياسية للحرب. تلك النتائج التى لا نزال نعيش تحت وطأتها الثقيلة حتى يومنا هذا.
فجاءت المناورات مع ترتيبات أخرى لتعطى لهذا العدو الامريكى موطئ قدم استراتيجى متقدم فى مصر وفى المنطقة، ولتمثل اختراقا خطيرا للأمن القومى المصرى والعربى.
***
وعلى امتداد ما يقرب من 40 عاما، وقفت ضدها ورفضتها كافة القوى الوطنية المصرية، واعتبرتها أحد أهم تبعات ومظاهر التبعية للأمريكان، هذه التبعية التى كانت على رأس اسباب نضالهم ضد نظام مبارك.
***
تعود اليوم هذه المناورات مرة أخرى، لتثبت حميمية وعمق واستقرار وديمومة العلاقات بين النظام المصرى بين البنتاجون، بصرف النظر عن التوترات التى قد تحدث أحيانا مع أى مؤسسات أمريكية أخرى، وبصرف النظر على اى شخصيات أو احداث او ثورات او تغيرات جرت فى مصر خلال السبع سنوات السابقة (2011ـ 2018).
***
وكان المتحدث العسكري المصري، قد صرح بوصول عدد من المعدات والقوات الأمريكية المشاركة في تدريبات النجم الساطع 2018، إلى إحدى القواعد الجوية المصرية والتي من المقرر أن تنفذ فى الفترة من 8 ـ 20 سبتمبر 2018، بقاعدة محمد نجيب العسكرية ومناطق التدريبات البحرية المشتركة بنطاق البحر الأبيض المتوسط".
وعن الدول المشاركة قال انها "عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية والقوات الخاصة لكل من مصر وأمريكا واليونان والأردن وبريطانيا والسعودية والإمارات وإيطاليا وفرنسا، كما وجهت الدعوة لعدة دول للمشاركة بصفة مراقب فى التدريب من بينها (لبنان، رواندا، العراق، باكستان، الهند، كينيا، تنزانيا، أوغندا، الكونغو الديمقراطية، تشاد، جيبوتي، مالي، جنوب أفريقيا، النيجر، السنغال وكندا)".
***
اما بيان السفارة الامريكية فى القاهرة فلقد ذكر ((ان هذه المناورات قد بدأت كنتيجة لاتفاقية كامب ديفيد وانها تستند على العلاقات الأمنية الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة والشراكة التاريخية ..
وانها تعد رمزا مهما للعلاقة طويلة الأمد والإستراتيجية بين الجيش الأمريكي والقوات المسلحة المصرية، وأحد الطرق العديدة التي نتشارك من خلالها مع مصر للتعامل مع التهديدات المشتركة للأمن الإقليمي...
ويشارك حوالي 800 من أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية في مناورات النجم الساطع، وسيكون التركيز هذا العام على الأمن والتعاون الإقليميين، بالاضافة إلى تعزيز العمل المشترك في سيناريوهات الحرب غير النظامية.
وتعزز المشاركة في هذه المناورات العلاقات العسكرية المتبادلة بين القوات الأمريكية والمصرية في منطقة مسؤولية القيادة المركزية .. (القيادة المركزية الامريكية المعروفة اختصارا بـ "سنتكوم" هى الادارة المسئولة عن منطقة الشرق الاوسط ومصر باستثناء اسرائيل، والتى تقع ضمن نطاق القيادة العسكرية الامريكية فى اوروبا لتنظيم القوات الامريكية وحلفائها من داخل حلف شمال الاطلسى ومن خارجه.)
وأن الولايات المتحدة ستظل شريكا لمصر ملتزما بدعم الحكومة والشعب المصري من خلال التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني.))
***
تأتى المناورات هذا العام وسط عديد من المتغيرات الامريكية والاقليمية، على راسها قرار الرئيس الامريكى بإجهاض ربع قرن من اوهام السلام العربى/الفلسطينى بعد ان اعترف بالقدس الموحدة عاصمة لاسرائيل. وكذلك وسط المساعى والدعوات الامريكية الاسرائيلية لتأسيس ناتو عربى/اسرائيلى فى مواجهة إيران، بالاضافة الى التلويح بحرب ايرانية اسرائيلية، مع وجود تعبئة وحشود عسكرية امريكية وروسية فى شرق المتوسط على خلفية الوضع الملتهب فى سوريا.
وهو ما كان يستدعى على أضعف الايمان أن تتخذ مصر موقفا أكثر استقلال وأشد صلابة وأن تنأى بنفسها فى هذه الفترة على الأقل عن الانحياز للولايات المتحدة وأن تمتنع عن المشاركة معها فى اى مناورات او ترتيبات او تحالفات او انشطة عسكرية، وان تقدم اعتذارا رسميا عن اجراء هذه المناورات هذا العام، خاصة وانه كان من المعتاد والمتبع والمتفق عليه بين الطرفين ان تتم هذه المناورات كل عامين، وهو ما يعنى أن موعدها الطبيعى يجب ان يكون فى 2019، ولكنه اعتذار لم يحدث!
***
جاءت القوات الأمريكية، وصدرت بيانات رسمية مصرية وامريكية، أما القوى الوطنية المصرية، فلقد كانت هى الطرف الوحيد الذى التزم الصمت، رغم انها لم تتوقف منذ عام 1980 ولعقود طويلة عن ادانتها لهذه المناورات ورفضها التام لفتح الاراضى المصرية ومياهنا الاقليمية ومجالنا الجوى لاى قوات امريكية مع المطالبة المستمرة بتحرير مصر من علاقات التبعية مع الامريكان، ومن الانخراط فى احلافهم العسكرية أو ترتيباتهم الاقليمية.
فهل تغيرت المبادئ والثوابت والمواقف والمعايير، ام هو الاستبداد وتكميم الأفواه واعلام الصوت الواحد، أم أنه الخوف من السلطة ومن يدها الباطشة؟
وسوم: العدد 788