يوم وقف أردوغان وحيدا في ساحة إدلب

أنظار العالم كله متوجهة حاليا إلى محافظة إدلب السورية، هل ستشهد تطورات تؤدي إلى تأزم الأوضاع في سوريا والمنطقة فضلا عن كارثة إنسانية جديدة؟ واضح جدا أن العالم صامت وسيبقى صامتا تجاهها لو حصلت لا قدر الله.

أم أن هذه المحافظة السورية التي تضم أكثر من 3.5 مليون مدني سوري ستكون بعيدة عن الحل العسكري قريبة من تحوّلها إلى نواة حقيقية لحل سياسي شامل في سوريا؟

في ما يتعلق بتركيا في هذا الشأن، فإنه من الواضح والأكيد للجميع أن تركيا بشخص رئيسها رجب طيب أردوغان تقاتل في الميدان وحيدة من أجل هدفين أساسيين، يصبّان في مصلحة ملايين السوريين والأتراك.. هذان الشعبان اللذان يشتركان بمصالح ونقاط كثيرة تجمع بينهما على خير، فضلا عن اشتراكهما بمصير واحد سيلحق بهما تزامنا مع تطوات منطقة الشرق الأوسط.

الهدف الأول حماية 3.5 مليون مدني سوري في محافظة إدلب، من أي تهور عسكري يتخذ من بعض التنظيمات الإرهابية في إدلب ذريعة لشن عدوانه، وحماية المدنيين أيضا من التنظيمات الإرهابية نفسها التي لا نراها مستعدة لاتخاذ ولو خطوة واحدة في سبيل تجنيب المدنيين كارثة إنسانية جديدة، أما التبريرات التي تسوقها هذه التنظيمات فغير مقبولة، وهي أمامها الكثير من الخطوات الممكن اتخاذها لسحب الذرائع ممن يريد شرا بإدلب ثم بسوريا ثم بتركيا.

الهدف الثاني التي تقاتل لأجله تركيا هو حماية أمنها القومي المهدد بشكل مباشر في حال تعرضت إدلب لأي همجية عسكرية، ولذلك فإن تركيا ليست بصدد السكوت هذه المرة، وما التحركات العسكرية التركية الضخمة تجاه إدلب إلا خير دليل على وجود قرار تركي يصب في مصلحة أهالي إدلب ومصلحة الشعب التركي، وستتم ترجمة هذا القرار عمليا على أرض الواقع حسب التطورات الميدانية من جهة، وتطورات المحادثات والمفاوضات التي تجريها تركيا مع كل من إيران وروسيا.. محادثات ومفاوضات شاقة جدا دون أي دعم عربي وإسلامي!

لم يذهب أردوغان إلى طهران قبل أيام ليشرب الشاي الإيراني أو ليعقد صفقات اقتصادية، ولم يذهب ليتآمر على أبرياء هنا أو هناك، بل ذهب وحيدا في هذا العالم يجابه العالم دفاعا عن 3.5 مليون مدني سوري، فضلا عن محاولته حماية الأمن القومي التركي وتجنيب تركيا موجات نزوح هائلة، ستكون سلبية بالدرجة الأولى على المدنيين أنفسهم قبل أن تكون سلبية على تركيا.

في قمة طهران وقبلها واليوم وغدا، مازال أردوغان يجابه العالم وحيدا لتجنيب إدلب مصيرا مأساويا ستكون مشتركة فيه ـ لو حصل لا قدر الله ـ أنظمة كثيرة منها ما هو ظاهر ومنها أنظمة تدعم دمار وقتل الشعب السوري من تحت الطاولة.. أنظمة عربية وإسلامية، فضلا عن أنظمة أوروبية وأمريكية.

وستكون مشتركة فيه أيضا تنظيمات في إدلب تتخذ من الإسلام غطاءً لأجنداتها المشبوهة، وهي تنظيمات أول من يقع عليهم ظلمها، هم المدنيون في إدلب الذين ينتظرون اليوم الذي يتخلصون فيه منها، ولكن ليس على أيدي أنظمة أياديها ملطخة بالدماء والدماء.

تركيا نجحت فعلا بإيقاف المجزرة في إدلب ـ حتى اليوم على الأقل ـ ولكن أردوغان الذي يمثل تركيا، يتكلم وحيدا بلسان أهالي إدلب، في ظل غياب تام وتام من الأنظمة العربية والإسلامية التي تدّعي أنها تدعم الشعب السوري، أنظمة إن كانت لا تريد أن تتدخل لصالح الشعب السوري، فلماذا لا تدعم تركيا ولو سرا في توجهها الذي يصب بصالح الأبرياء المدنيين؟!

لماذا لا تقوم هذه الأنظمة ولو بإصدار بيان واحد يدعو لتجنيب إدلب مجزرة جديدة، حتى مجرد بيان ـ لا يكلفهم نصف دولار ـ صمتوا عنه واستكثروه على الأبرياء، بل على العكس إن حصل أي مكروه في إدلب فإن هذه النوعية من الأنظمة ستكون هي المسؤولة الحقيقية والأكبر قبل الآخرين.

لا يحق لهذه الأنظمة والمطبلين لها، أن ينتقدوا ولو بكلمة واحدة، الرجل الذي يقود حربا دبلوماسية حقيقة لصالح المدنيين في إدلب.. أردوغان اليوم يقود هذه الحرب وحيدا في ظل حرب موازية عليه من تلك الأنظمة المنزعجة من إنسانية تركيا وأمن تركيا واقتصاد تركيا وتطور تركيا وقوة تركيا.

أردوغان هو الرئيس الوحيد في هذا العالم الذي يتحدث منذ أيام باسم المدنيين السوريين الأبرياء.. وأن يقدّر هؤلاء السوريون موقف أردوغان فإن هذا الأمر يكفي ويغني عن نفاق الكثير من الأنظمة التابعة العابدة لأسيادها خلف المحيطات.

مهما كانت الصعاب وقوة الحرب التي تشن اليوم ضد الشعب السوري وضد تركيا، فإن أردوغان بما يمثله في تركيا وخارجها ليس بوارد التراجع عن الاستمرار بخوض المعركة في الميدان لتحقيق ما تراه تركيا صائبا.

هو أصلا لم يتراجع يوما عن مواقفه الداعمة للشعب السوري على وجه الخصوص، ولكن في أحداث مشابهة قبل سنوات، كانت تركيا لوحدها أيضا في الميدان تواجه الأنظمة نفسها الظاهرة والخفية، ولكن قدر الله في تلك الأحداث أن تنتصر تلك الأنظمة في جزء من مشروعها الذي يرفضه الشعب السوري، ولو كان هناك وقوفا حقيقيا مع تركيا لما وصلت سوريا أصلا إلى ما هي عليه اليوم، ولكن يد واحدة لا تصفق، بل الطعنات في ظهر تركيا كانت قاسية من أقرب المقربين في هذا الشرق.

واليوم يعيد التاريخ القريب نفسه.. أردوغان وحيد يفعل ما يستطيع فعله باسم تركيا، عله ينجح هذه المرة في تجنيب إدلب المحرقة الإجرامية، وبالتالي النجاح في حماية وحدة الأراضي السورية، وبالتالي تحطيم أحلام أمريكا بإقامة دويلة إرهابية على التراب الشمالي السوري، وبالتالي تحطيم أطماع إسرائيل ومن يشبهها في الإجرام والعصبية والعنصرية.

أوراق ضغط عديدة في يد أردوغان، يواجه فيها إيران وروسيا وحلفائهما من تحت الطاولة، منها ما هو عسكري ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي.. وما توفيقي إلا بالله.

نعم أردوغان يقف اليوم وحيدا في ساحة مدينة إدلب، وهم في الجهة الأخرى أحزاب جمعت نفسها على باطل مستخدمة أدوات الباطل تسعى لتحقيق باطل.. هذه الحسابات البشرية.

ولكن الحسابات الربانية تقول عكس ذلك، تقول إن الله تعالى سينصر أهل الحق ولو بعد حين، وسيحمي أهل الحق من أجل الحق وتحقيق الحق.. أردوغان بهذه الحسابات ليس وحيدا فـ"إن الله معنا".

وسوم: العدد 789