حكمُ المتغلّب : ليس نظرية ، بل هو أمر واقع ، ينطبق عليه فقه الضرورات!
لقد ابتليت أكثر أمم الأرض ، بحكم المتغلّب ، قديماً وحديثاً ، وأمّتنا منها ! أمّا الأصل ، عندنا ، كما هو معلوم ، فالاختيار الحرّ ! وله أساليب عدّة ، منها : ماورد ، في سيَرالخلفاء الراشدين .. ومنها : ماورد ، عن بداية نشأة الديموقراطية اليونانية ، ثمّ الأشكال ، التي تطوّرت ، إليها ، هذه الديموقراطية !
ولو جعلنا حكمَ المتغلّب ، هو النظرية الأساسية ، التي يقوم عليها ، حكم الشعوب والأمم ، لخالفنا مبادئنا الإسلامية ، وفي مقدمّتها : مبدأ الخلافة الراشدة ، التي تتمّ ، عن طريق الانتخاب الحرّ ! وإلاّ؛ فما الفرق ، بينها ، وبين الملك العاض ، أو العضوض .. وبينها ، وبين الحكم الجبري ، الذي تعقبه خلافة راشدة ؛ كما ورد في الحديث النبويّ ؟ ثمّ : لو جعلنا حكم المتغلّب ، هو النظرية الأساسية ، في الحكم ، لنسفنا مبدأ الشورى ، في اختيار الحاكم ، وفي عزله ؛ إذا استوجب الأمر ذلك ! والحاكم المتغلّب ، لا تعزله الأمّة، مهما فعل ، بل : يعزله متغلّب أقوى منه .. وفي هذا ، من البلاء ، مافيه !
وفي المحصّلة : لابدّ ، من الاعتراف ، بفكرة (حكم المتغلّب) ، لكن ، لا على أنه نظرية ، أو مبدأ ، أو قاعدة للفقه السياسي الدستوري .. بل : على أنه ضرورة ، يجب التعامل معها ، والاقتناع الدائم ، بأنها ضرورة ! مع الإشارة ، إلى أن فقه السياسة ، عامّة ، هو فقه ضرورات ؛ لأن الفرد غير مخيّر، وحدَه ، باختيار حاكمه ؛ بل : هو خاضع ، في اختياره، لشبكة معقّدة ، من الآراء ، والمصالح ، والقوى .. المتنافسة ، والمتصارعة ، التي تسهم ، كلّها ، في عملية تنصيب الحاكم !
ومن الطريف : أن إقرارنا ، بحكم المتغلّب ، على أنه نظرية ، أو قاعدة ، للحكم .. يجعلنا نقرّ، بحكم الحكّام المتغلّبين الموجودين ! وإذا تحرّكنا ، لإزاحتهم ، احتجّوا ، علينا ، بكلامنا، أو نظريتنا ! وإذا قلنا لهم : نحن ، نظريتنا تقوم ، على اختيار المتغلّب الصالح ، سخِروا منّا، وادّعوا ، أنّهم أصلح أهل الأرض ! فضلاً عن أن المتغلّب ، عامّة ، لايخضع ، لتقويمات الآخرين ، في الصلاح والفساد ؛ بل : يكفي أنه متغلّب ، ليكون صالحاً ، في نظر نفسه ، وأنظار مؤيّديه ، المنتفعين بحكمه ! ومََن عارضَه ، فهو الفاسد الضالّ ، المخرّب ، عميل الاستعمار.. ويجب استئصاله !
وسوم: العدد 791