التورط في "صفقة القرن"
مع فشل القاهرة لحتي الان في احداث اختراق فعلي يقرب وجهات النظر ويجسر الفجوات بين الفلسطينيين بالرغم من الذكاء الكبير والنفس الطويل الذي يتمتع به رجال المخابرات المصرية والبرغماتية التفاوضية غير المسبوقة لجهاز المخابرات المصرية وقدرته على تفكيك تعقيدات هذا الملف بات واضحا ان المصالحة الفلسطينية من اكبر التحديات التي تواجه مصر وسياستها تجاه القضية الفلسطينية لإدراكها ان الفلسطينيين بهذا الانقسام يدمروا ذاتهم ويشوهوا تاريخهم النضالي الطويل ويسيئوا لدماء شهدائهم ودماء شهداء الامة العربية التي زرفت على ارض فلسطين . تشتد الخلافات الان بين فتح وحماس لتتعدي كل المحرمات والخطوط الوطنية والدينية والعرفية ,كل يكيل التهم للأخر وكل لا يدخر أي وسيلة لمحاربة الاخر , هنا استخدمت لغة التكفير والتخوين والتعامل مع العدو والتنسيق الامني ومنع المقاومة من العمل في الضفة وهناك استخدمت لغة اقل حدة لكن كلتا اللغتين لم يعتاد عليها شعبنا من قبل بل ابتكرها المنقسمون حتي دفعت بالجماهير الفلسطينية للوصول لحالة الاحباط التام وفقدان الامل في امكانية انقاذ المشروع الوطني من الانهيار.
اللغة الجديدة اليوم هي لغة الاتهام بالتورط في صفقة القرن الامريكية والتعاطي معها بسرية وبأسلوب هادئ واظهار العكس امام الجماهير والاعلام كموقف معارض ورافض , ولعل الاتهام بالتورط في الصفقة يقصد به استخدام الانقسام كأسلوب لتمرير هذه الصفقة التي لا تهدف سوي الى تصفية القضية الفلسطينية والقفز عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني . الجديد ان حماس باتت الان لديها قرار ان لا مصالحة فلسطينية في ظل وجود الرئيس ابو مازن وهذا امر في غاية الخطورة ومرعب لان مثل هكذا قرار يعتبر في حد ذاته تفريط بأهم مرتكزات مقاومة صفقة القرن واسقاطها فرهن تحقيق المصالحة الفلسطينية بوجود الرئيس ابو مازن يعتبر استهانة بطموح الملايين ويعتبر عدم اكتراث للازمات التي احدثها الانقسام في غزة ولا اكتراث بمعاناة المواطن الغزي وتصوير ان ابو مازن شخصيا يقف وراء كل تلك الازمات وتحميله المسئولية دون الاعتراف ولو بأدني مستوي من المسؤولية عن كل تلك الازمات المتراكمة. والحقيقة ان الانقسام والاصرار على عدم انجاز المصالحة والتمترس عند شروط معقدة وتسويف القضايا والدوران في دائرة نصف قطرها المصالح الحزبية واطالة وقت الحوارات في القاهرة وعدم توافر نية لتوافق وطني والانطلاق من اطار وطني جامع يمثل الكل الفلسطيني كلها مؤشرات على التورط في الصفقة التي تعني ان هناك مشروع قائم على بقاء الانقسام وليس على المصالحة الفلسطينية واستعادة الوحدة الوطنية والعمل في اطار حكومة واحدة وسلطة واحدة وقانون واحد .
المعروف ان مشروعنا التحرري قائم على الوحدة الوطنية وعلي مبدأ وحدة التمثيل السياسي ووحدة المواجهة مع المحتل مع تعدد الاشكال النضالية ووحدة الجغرافيا لكل الارض الفلسطينية ابتداء من القدس العاصمة والضفة الغربية وغزة ليعني هذا ان لا دولة بدون وحدة سياسية وجغرافية ولا قدس عاصمة لهذه الدولة , وهذا يعني ايضا ان لا نصر ولا خلاص من الاحتلال بدون وحدة المواجهة , ولعل اعاقة انجاز الوحدة الوطنية والذهاب بعيدا بمشاعر الفلسطينيين يعتبر من اخطر اساليب احباط المشروع التحرري سواء كان بعلم وقصد وتخطيط او بدون علم وبدن قصد او تخطيط فلا فرق بينهما , فالجهل بمخاطر ما يجري لا يبرئ الجاهلين والعلم بمخاطر ما يجري على الارض من انقسام وتعميقه وتخوين للأخر وعدم قبوله والعمل بخلاف طموح الجماهير الفلسطينية يعني التورط في مخطط تفتيت الحالة الفلسطينية وتدمير القاعدة الوطنية المطلوبة لتنكسر وتتحطم فوقها كل المخططات التي تستهدف مشروعنا التحرري, هنا لابد ان يعرف الجميع ان الانقسام ساهم بشكل كبير في تراجع المشروع الوطني وعمد الى تدمير مؤسسات الدولة واحبط كل المساعي الهادفة للتحلل والتحرر من قيد الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وان اثني عشر عاما كانت سدا منيعا لتحقيق الحلم الوطني الكبير في الاستقلال والحرية. ولم يكن للفلسطينيين من تورط في صفقة القرن الا بسبب التدخل في شؤونهم السياسية وتوظيف المال السياسي لإثراء نار الانقسام وتعزيزه مرة بصناعة البدائل ومرة بتقوية طرف على حساب طرف ومنحه كافة عوامل الحياة وتوفير الاموال اللازمة ليعيش الانقسام الى الابد الى الدرجة التي بدأنا نشتم فيها رائحة انفصال جغرافي وسياسي معمق بين الفلسطينيين واذا حدث هذا فانا اعتبر ان اطراف من الاقليم نجحوا في توريط الفلسطينيين في الصفقة تحت مسمي المشاريع الانسانية وتطبيق خارطة انقاذ قبل ان ينفجر البالون في وجه الجميع .
القراءة الدقيقة لصورة تشخيص المشهد الفلسطيني الداخلي تقول ان الجميع قد يصبح متورطا في صفقة القرن برضي او دون رضها وقد يكون هذا الفرق , وهنا قد لا يتوقف الحال على طرفي الانقسام لان هذا كان في الماضي عندما كان هناك بعض الاحترام لمشاعر الجماهير وهناك عدم انتهاك لفلسطينية المناضلين وشرفهم بالتحديد قبل ان يحشد الطرفين من حشود ضد الاخر وقبل ان تتساقط الفصائل والاحزاب في احضان طرفي الانقسام وابتعادهم عن الحيادية ودورهم الوطني المطلوب وفشلهم في البقاء عند خط الوسط لأخر نفس للضغط على الطرفين للعودة عن تعنتهما والاستجابة للمصالح الوطنية العامة , هنا أوكد ان الكل الفلسطيني بات مشتركا في الانقسام والقادم سيكون تورط الجميع ودون استثناء في صفقة القرن وتهيئة الاجواء الانقسامية لتمرر الصفقة وتصفي القضية . مازال هناك متسع و وقت ومساحة للخروج من مسلسل تدمير الذات الوطنية اذا تخلي كل منا عن ما في راسه والتف الجميع حول بعضهم البعض ووحدوا مواجهتهم مع المحتل ووحدوا تمثيلهم السياسي في اطار م ت ف دون أي طموح لمحاصصة او طموح للوصول للأغلبية لاستخدام المؤسسات الوطنية لتحقيق الاجندات الحزبية من جديد .
وسوم: العدد 794