كيف يمكن فهم الإعفاءات من العقوبات ضد إيران؟
فرضت الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي الحزمة الثانية من العقوبات على إيران، والتي تعتبر الأشد منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في العام 2015، قبل بضعة أشهر فقط قالت إدارة ترمب إن هذه الحزمة من العقوبات ستكون الأقوى في التاريخ، مشددة على أنها لن تمنح استثناءات لأيٍ كان.
لكن -وفي تناقض مع ما قيل سابقاً- منحت الإدارة الأميركية قبل بعضة أيام إعفاءات بالجملة لعدد من الدول المستوردة للنفط الإيراني، مما من شأنه أن يسمح للنظام الإيراني بمواصلة تصدير النفط بكميات أكبر بكثير مما كان متوقعاً سابقاً، فسّر بعض المسؤولين الأميركيين هذا الإجراء على أنه مراعاة لمصالح الأصدقاء والحلفاء كما قال جون بولتون، لكن هذا التبرير لا يبدو متسقاً مع الهدف النهائي الذي تم الإعلان عنه سابقاً، والمتمثل في المنع الكلي لصادرات إيران من النفط.
ثمة عدة احتمالات لفهم ما جرى، أولها أن الإدارة كانت تعلم منذ البداية أن «تصفير» صادرات إيران من النفط هو هدف غير واقعي ولا يمكن تحقيقه، ولذلك رفعت سقف تهديدها لتعكس مدى جديتها، وعندما حان وقت التطبيق، قامت بإعطاء هذه الإعفاءات لـ 8 دول هي تركيا والصين وإيطاليا واليونان واليابان وكوريا الجنوبية والهند وتايوان، وذلك تحت شعار «مراعاة مصالح الحلفاء»، على أن يقوموا في المقابل بتخفيض إلزامي لوارداتهم من إيران، وبذلك تكون واشنطن قد ضمنت من خلال هذه الخطوة تعاون هذه الدول والتزامها بتخفيض وارداتها من نفط إيران، دون أن تضطر إلى فرض عقوبات عليها.
الاحتمال الآخر لإقرار هذه الإعفاءات، هو استخدامها كأداة لتفكيك الجبهة المعارضة للعقوبات الأميركية على إيران، على سبيل المثال، منح الصين إعفاء سيشجعها على الالتزام بالعقوبات بدلاً من محاولة خرقها والتعرض لعقوبات إضافية، في وقت يحتدم فيه الصراع التجاري الأميركي- الصيني، كذلك الأمر بالنسبة للدول الأوروبية، حيث ينظر إلى الإعفاءات المقدمة إلى إيطاليا واليونان على أنها محاولة لزعزعة وحدة الصف الأوروبي المعارض للعقوبات الأميركية.
في مقابل هذين الاحتمالين، هناك من يقول إن الهدف من الإعفاءات في نهاية المطاف هو الحفاظ على مصالح واشنطن وليس أي طرف آخر، الرئيس ترمب يطالب منذ عدة أشهر بضرورة تخفيض أسعار النفط، وبالرغم من محاولات بعض الدول الخليجية تلبية مطالبه، فإن هناك شكوكاً في مدى قدرة هذه الدول على تعويض النفط الإيراني في حال تم تطبيق الحد الأقصى من العقوبات دفعة واحدة، من هذا المنطلق، يأمل الجانب الأميركي أن تؤدي الإعفاءات الحالية إلى تأقلم السوق النفطية مع انخفاض الصادرات الإيرانية رويداً رويداً، على أن يصار لاحقاً إلى تشديد هذه العقوبات.
ما يمكن ملاحظته في هذا السياق، هو عدم وجود تعارض بين أي من الاحتمالات التي سبق ذكرها، لكن السؤال الأساسي هو كيف يمكن ربط هذه الإعفاءات بالهدف النهائي لأميركا، وهو إجبار طهران على تغيير سلوكها؟ باعتقادي يكمن الجواب في حقيقة أن هذه الإعفاءات تعد رسالة أيضاً إلى الجانب الإيراني، مفادها أن واشنطن لا تزال منفتحة على التفاوض، وأنه في حال رفض هذا الخيار فإنها ستكون مستعدة أيضاً لفرض مزيد من العقوبات، وبهذا المعنى فإن إدارة ترمب تمنح النظام الإيراني مزيداً من الوقت، لتحديد المسار الذي يريد أن يمضي فيه خلال المرحلة المقبلة.
وسوم: العدد 798