هل فشلت ثورات الربيع؟!
يتبجحون بزيارة القتلة، والجلوس والتصوير معهم، في مشهد يأباه الضمير، وتنكره الشريعة، وتأنفه النخوة العربية ..
وهم يصدقون كذب الطاغية المستبد بأنه الظافر المنتصر، وما علموا أن الأيام دوَل وأنه على الباغي تدور الدوائر .. ومِن ورائهم أصحاب عمائم ولحى شامتون يقولون لنا:
أرأيتم كيف أن الثورات فتنة؛ ملعون من أيقظها، وأن الثائرون فاشلون آثمون؛ هم ومن أفتى لهم، وأن تضحياتهم لا قيمة لها عند الله ولا عند الناس!!
وكأنهم بكلماتهم هذه (يدلقون) خزان ماء بارد على ضحايا الثورات في اليمن والشام وليبيا ومصر وتونس .. وهنا لابد من سؤال هؤلاء الشامتين:
- هل لديكم شكوك في مدى ما وصل إليه الطغاة والمستبدون قبل الثورات من طغيان واستبداد وظلم؟
- هل سمعتم إذنَ الله تعالى بالجهاد لكل من ظُلم وقُهر؟
- هل كانت ثورات الشعوب على طغاتها اضطرارا أم اختيارا، وهل أبقى المستبدون لشعوبهم خيارات أخرى؟
- هل حققت الشعوب التي لم تتحرك ولم تخرج في ثورة من مطالبها الإصلاحية شيئا .. وهل ترون الأمور عندهم تسير بالاتجاه الصحيح؟
- ألا ترون أن الشعوب مكتوب عليها أن تضحي، وأن ما لا تدفعه من تضحيات في سبيل استعادة حقوقها وكرامتها بالجملة في ميدان الثورة، ستدفعه بالتقسيط في ميادين السكوت المهين.
- ماذا تسمون خروج النبي صلى الله عليه وسلم عن صمته في مكة وجهره بدعوته واستفزازه لقريش .. أليس ذلك ثورة .. وماذا تقولون في كل ما ترتب على هذه الثورة من آلام القتل والتعذيب والتشريد والخسائر المادية والمعنوية ولمدة ١٠ سنوات تكللت بإخراج من بقي من المسلمين إلى المدينة .. فهل يلام الرسول صلى الله عليه وسلم على خروجه على نظام قريش، وهل نطالبه بتعويض لأصحابه على ما أوذوا؟
- ماذا تسمون اعتراض النبي صلى الله عليه وسلم لعير قريش بعد هجرته إلى المدينة، أليس هذه ثورة لاستعادة الكرامة والحقوق .. لكنه الكِبر الذي ركب رأس أبو جهل هو ذاته الكبر الذي ركب رؤوس الطغاة حين قمعوا كل مطالب بحقوقه اليوم.
- هل لديكم حلول ناجحة وواقعية وغير مكلفة لبدعة وكبيرة وجريمة الطغيان والاستبداد بخلاف الثورات باهظة الثمن، وهل تستعاد الكرامة بمجرد صبر (الحمير)؟
- هل ترون أن المشهد قد أُقفل وأن الثورة قد أخمدت .. وهل تحسبون أن الأنظمة المستبدة أيضاً لم تتعلم ولم تتألم؟
- هل تعتقدون أن سحرة فرعون الذين تابوا في لحظة تاريخية فارقة قد أخطأوا عندما ثاروا في وجه فرعون وأعلنوا الخروج عن أمره؟
ثم دعوني آخذكم في جولة تبين بعض ثمرات الثورات، ولعلها كلها تؤكد أنها هي (الكاشفة)، فما هي الأمور التي كشفتها، وهل في كشفها قيمة لنا:
- كشفت الثورات عن قبح تلك الأنظمة التي كانت تزعم حمايتها لشعوبها وديمقراطيتها وإصغاءها للناس.
- كشفت الثورات عن قبح تلك الجيوش وقبح أخلاقها وعقيدتها التي ما كانت إلا لحماية تلك العروش.
- كشفت الثورات عن قبح بعض الطوائف كالرافضة الذين لم يرقبوا في مؤمن عهدا ولا قرابة.
- كشفت الثورات عن قبح بعض الرموز ممن ينتسبون إلى صفوف الدعاة والعلماء، إذ بهم يسكتون عن الحق أو ينطقون بالباطل.
- كشفت عن بعض أدعياء حقوق الإنسان ممن جعلوا مصالحهم فوق كل شيء ولم يتحركوا لمنع الانتهاكات.
- كشفت عن عهر أنظمة شرقية وغربية تزعم أنها ديمقراطية وأنها مع خيارات الشعوب في تقرير مصيرها إذ بها تجيش الجيوش نصرة للطغاة طمعاً في أن يكون لها حصة في بلادنا.
- كشفت عن شجاعة وبطولة وبسالة شعوب دافعت عن حقها وقدمت الغالي والرخيص في سبيل الله.
- كشفت عن وجود الطابور الخامس ممن لديه الاستعداد لبيع أرضه وعرضه مقابل أوهام يمنحه أياها المجرمون.
- كشفت عن قيمة الإعداد وشرف التحضير بين يدي مجرد التفكير للخلاص من المجرمين والمستبدين والمحتلين (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة).
- كشفت عن حاجة الأمة إلى فقه الجهاد والرباط حتى يكون جهادها وقتالها على بصيرة.
- كشفت أهمية وجود طليعة مؤمنة صابرة ومرابطة تقود الصراع ولا تترك القيادة للمندفعين ولا للجبناء ولا للرعاع.
- كشفت عن تحضير الله تعالى لجيل (عبادا لنا أولى بأس شديد) في كل مكان رُفع فيه سلاح المقاومة للمجرمين.
- كشفت عن استمرار سنة التدافع بين الخير والشر وبين الحق والباطل، وأنها السبب في منع فساد الأرض وهدم المساجد وأماكن العبادة .. لا ما يروج البعض له من أن هذا التدافع هو المؤدي إلى الدمار .. لأنه لو أن الشعوب لم تتأخر في الخروج المشروع على المستبد الظالم لكانت كلفة خروجها أقل؛ لكنها راهنت على عامل الزمن بأنه سيكون جزءاً من العلاج إذ به جزء من المرض.
- كشفت عن معادن كريمة لشعوب أصيلة تهبّ لنصرة إخوانها في كل مكان.
- كشفت عن فشل بعض التنظيمات والتيارات والجماعات في اختبار الانسجام مع قضايا الأمة الساخنة، وانتهاء مفعول بعضها، وحاجة بعضها إلى تجديد نفسها قبل فوات الأوان.
- كشفت عن قبح وسائل الإعلام ورخصها وقدرتها على غسل أدمغة الناس لمصلحة من يدفع لها أكثر.
- كشفت عن سماسرة الحروب والمستفيدين من مصائب الناس من التجار وأصحاب العقارات وغيرها.
- كشفت عن الإبداع الشعبي عند وجود إرادة في خلع المستبدين مهما كانت دولتهم عميقة كمبارك وصالح وابن عابدين والقذافي.
- كشفت عن حجم الرعب الصهيوأمريكي من شعوب أرادت أن تحيا كريمة فأخذ هؤلاء المجرمون يعيدون ترتيب أوراقهم ويسارعون في تمرير مكرهم بجلب أنظمة أكثر توافقاً معهم في كل مكان.
- كشفت عن تمايز الرايات وسقوط الأقنعة لكل متستر بالقيم والمثل السامية (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
• وكل واحدة من الكواشف السابقة بمثابة خيط من خيوط شمس الحقيقة التي تزيد في قيمتها وحجمها وأثرها على كل التضحيات التي بذلت .. فالشهداء عند ربهم سعداء، والمشردون اللاجئون وجدوا في الأرض مراغما كثيرا وسعة، والمعتقلون لهم الله، والله يحفظهم والفرج قريب لنا ولهم.
باختصار:
الذي أراه أن الثورة على الطغاة المستبدين حق، بل هي واجب حيث لا ينفع غيرها ..
ولا يقول بمنعها إلا جبان أو مستفيد من المستبدين ..
كما أنني أرى أنها قد نجحت وآتت أكلها ..
لكنها لأسباب متعددة طُعنت في ظهرها أو لم تحافظ على نصرها، ومن تلك الأسباب:
- تدخل قوى البغي من أنظمة الشرق والغرب التي فزعت لحماية أذنابها في المنطقة مقابل حصص جاهزة أعطيت لهم من أوطاننا.
- تنازع وسوء إدارة ونزعات هوى ابتلي به الثائرون بعدما رأوا بشائر النصر تلوح في الأفق.
- اختراق الثورات بأفكار قبيحة تسللت عن طريق المال الحرام المغشوش.
وعلى الرغم من ذلك فإن المشهد لم ينتهي بعد .. فغزوة أحد كانت لنا، ثم تحولت علينا بسبب تنازعنا ومعصيتنا واختراق العدو لنا .. لكنها حُسمت في حمراء الأسد بعد لملمة جراحنا لصالحنا .. ودماء الشهداء لن تذهب هدرا .. ولن يحيق المكر السيء إلا بأهله.
وسوم: العدد 800