إيران بين دعم الحوثيين واستراتيجية الهيمنة على مضيق باب المندب
شكّلت سواحل البحر الأحمر العربية ما نسبته 90.2٪ من إجمالي المساحة الكلية لسواحل البحر الأحمر وخليج عدن، حيث يعتبر البحر الأحمرالمنفذ البحر الرئيسي والوحيد للعديد من الدول العربية، خاصةً الأردن، وجيبوتي، والسودان، ويعتبر البحر الأحمر الممر الرئيسي الذي يتم تصدير النفط العربي من خلاله إلى الأسواق المختلفة، وتعتمد معظم اقتصادات الدول العربية على صادرات البترول التي تمثل 93 إلى 100٪ من إجمالي صادرات بعض الدول العربية، مثل السعودية، والكويت، وعمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، واليمن، والبحرين، ممّا يؤدي لزيادة أهمية مضيق باب المندب من الناحية الاقتصادية بسبب مرور ما يُقارب 40 في المئة من إجمالي حركة النفط العالمية من خلاله
أسباب الاهتمام العالمي بمضيق باب المندب
يعتبر مضيق باب المندب حلقة وصل بين الشرق الأوسط والدول الأوروبية، فهو يسمح بالانتقال المباشر بين الخليج العربي، والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، لذا فهو يعد طريق لملاحة للسفن غير النفطية التي تتحرك بين دول الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وتم اقتراح جسر يُسمى ب"جسر الأبراج" على مضيق باب المندب بين سواحل اليمن ودبجوطي في الوقت الحاضر حيث اكسبه موقعه المتميز بين شبه الجزيرة العربية في الشمال الشرق، وأفريقيا في الجنوب الغربي، الذي يربط البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، أهميةً استراتيجية واقتصادية كبيرة، حيث ينطوي التدفق من خلال هذا المضيق على التداول بين البحر الأحمر والخليج العربي، حيث لا يحدث أي تدفق عبر قناة السويس.
الاهتمام الإيراني بالبحر الأحمر
أعلنت إيران بشكل واضح عن أحد أهدافها الإستراتيجية, إذ أعلنت عزمها بناء قواعد بحرية في سوريا واليمن، حيث أن إنشاء قاعدة بحرية في اليمن أهمية كبيرة لدى إيران, لوقوع سواحل اليمن على خط الشحن الاستراتيجي الذي يمر بمضيق باب المندب.. التواجد هناك سيعطيها ميزة الوصول غير المقيد إلى البحر الأحمر، وبناء قاعدة في اليمن سيمكنها من تقديم الدعم لوكلائها ومخالبها ، في ظل الحصار المفروض عليهم من دول التحالف العربي، خاصة بعد اضطرار السفن الحربية الإيرانية التي كانت تحمل شحنات من الأسلحة المهربة للتراجع إلى الوراء بعد ان اعترضتها سفن حربية أمريكية، واسترالية وفرنسية وسعودية ، ما جعل طهران تغير من مسار تهريب الأسلحة.
المتغيرات المؤثرة على صناعة القرار الإيراني تجاه أمن البحر الأحمر
المتغير الخاص بتعزيز صورة إيران كقوة إقليمية عظمى بحلول 2030 ، حيث تريد إيران إيجاد موطئ قدم لها عند باب المندب، ومن هنا الصراع العنيف بين الحوثيين وبين تحالف دعم الشرعية للسيطرة على الموانئ المطلة على باب المندب، وهذا الأمر لا يُتَصَور أن تتغاضى عنه السعودية لأنه يعنى ببساطة نقل النفوذ الإيرانى إلى حدودها الجنوبية، ومن يرجع إلى تاريخ العلاقات اليمنية -السعودية يجد أنه فى كل مرة أوشكت فيها الأوضاع فى اليمن على التطور فى اتجاه يُهَدِّد الأمن القومى للمملكة، فإنها لم تتردد عن التدخل،إستناداً على ما حدث هذا فى 1948 وتكرر فى 1955 وبلغ ذروته فى 1962، وليست عاصفة الحزم استثناء من ذلك.
تريد إيران أن يكون لها دور مهم فى الحفاظ على أمن باب المندب لتتحكم بذلك إيران فى ثانى الممرات المائية التى يمر عبرها النفط بعد مضيق هرمز . جغرافيا لا يوجد أى سند يستند إليه روحانى فيما ذهب إليه فالدول المطلة على باب المندب ثلاث هى اليمن وچيبوتى وإريتريا ويقع الصومال عند مدخله، وإيران ترفض رفضا قاطعا أى وجود أجنبى فى الخليج وأحد المبادئ الثابتة فى سياستها الخارجية أن أمن الخليج تحميه دوله، ولذلك ثارت ثائرتها مع توقيع إعلان دمشق عام 1991 الذى سمح لقوات مصرية وسورية بالوجود فى منطقة الخليج.
يمكن تفسير السياسة الإيرانية التي تسعى إلى وضع منطقة الخليج العربي بين مطرقة مضيق هرمز شمالا و سندان الهيمنة على مضيق باب المندب جنوبا، وتعمل على تطبيق إستراتيجية الهيمنة على الممرات الدولية .
إيران تريد التأثيرعلى الأمن الخليجي ، وبالذات على أمن المملكة العربية السعودية ، والدخول في مواجهات شبه مباشرة مع دول الخليج من خلال مداخل الأزمات الإقليمية ، خاصة في اليمن، مما يفسر حرص إيران على دعم الحوثيين في اليمن من خلال عمليات تهريب الأسلحة عبر السواحل اليمنية على البحر الأحمر وخليج عدن .
أما نقاط الارتكاز الإيراني في البحر الأحمر فهي :
أولاً : استئجار ثلاثة جزر في إريتريا كنقاط ارتكاز لتعزيز وجودها العسكري والاستخباري واللوجستي ، ومنطلق لدعم الحوثيين ، وبغرض ترتيب رحلات لشباب من الخليج العربي إلى صعده ، وإلى تلك الجزر ومن بين تلك الدول السعودية والامارات والكويت والبحرين ، حيث يتم تدريبهم على أيدي الحرس الثوري الإيراني، ".
.
ثانياً : تبني السياسات الإيرانية التي تمثل تهديدا ليس فقط للملاحة في مضيق باب المندب ، ومحاولة تهديد توازن القوى في المنطقة، من خلال الهيمنة على مضيق باب المندب ، ما يعني تغير جوهري في ميزان القوى الإقليمي و نقل الأسلحة التي تشكل عاملاً لإحداث اختلال استراتيجي كالصواريخ الباليستية ، والصواريخ المضادة للطائرات .
المتغير المتعلق بمواجهة قرار المملكة العربية السعودية الاستراتيجي تشكيل تحالف هدفه حماية أمن البحر الأحمر من خلال تعزيز تواجد ظل وجود الحرس الثوري الإيراني في إريتريا و الساحل الإفريقي, ولعل قرار المملكة العربية السعودية إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي ، يعد تطورا مهما ليس فقط لتأمين مضيق باب المندب لتعزيز خطوط الدفاع عن الأمن القومي للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي عموما خارج نطاق الأزمة اليمنية. وهذا برز من خلال أمرين :
تأسيس نواة للأمن الإقليمي كإطار دفاع جماعي لمواجهة المخاطر والتحديات المشترك و. زيادة وتيرة التنسيق والحوار بين دول مجلس التعاون والدولة المشاطئة للبحر الأحمر لحماية الأمن الإقليمي لدول البحر الأحمر ، وكان للرياض دوراً محورياً في تشكيله.
دبلوماسية حافة الهاوية ، وحرص إيران على تهديد حركة الملاحة ، مما سيسهم في إحداث حالة من عدم الاستقرار الإقليمي والدولي ، ورفع أسعار النفط بشكل جنوني ، مما سيسهم في تعزيز أوراق إيران التفاوضية .
المتغير الاسرائيلي ورغبة إيران في الترويج دوماً لشعارات الممانعة والمواجهة : وبموازاة ذلك التهديد الاسرائيلي من تعاظم الوجود الإيراني ، والتلويح بتوجيه ضربة عسكرية لهذا التواجد في حال اغلاق مضيق باب المندب ، أو تهديد حركة الملاحة الاسرائيلية هناك
المتغير التركي : فهناك المتغير المتعلق بالدور التركى المتنامى بشدة فى عموم القارة الإفريقية وبشكل خاص فى منطقة شرق إفريقيا، ونظرة إيران بريبة إلى التواجد التركي هناك .
المتغير الخاص بتعقيدات العلاقة الإيرانية مع چيبوتى فى ظل وجود القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية والصينية واليابانية.. إلخ المزروعة على أرضها، العلاقة الإيرانية مع إريتريا فصحيح أن لإيران علاقات جيدة معها وربما تحصل فيها على تسهيلات عسكرية، لكن إريتريا نفسها مغلولة الحركة بسبب علاقتها المتدهورة مع إثيوبيا والتداعيات الأمريكية والدولية لهذه العلاقة.
المتغير الدولي المتعلق بالعقوبات الأميركية على إيران ، وعدم قدرة إيران على الاستثمار في الدول الفقيرة المتواجدة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب بسبب العقوبات الدولية ، وما أحدثته من تداعيات خطيرة على الاقتصاد الإيراني . هذا عدا عن دور إيران من خلال مداخل الأزمات الإقليمية والتي ألقت بتداعياتها المدمرة على الاقتصاد الإيراني .
وسوم: العدد 809