ماذا خسر العلم بإغلاق مركز تكوين العلماء!؟

في القرن الماضي، كتب المصلح والداعية الكبير: أبو الحسن الندوي أول مؤلف له باللغة العربية، وسمّاه: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين!؟

وصف في كتابه الحالة الفوضوية للعالم قبل الإسلام، وما كان عليه من ظلام دامس، ثم أورد فيه التغيّر الكبير الذي حدث بعد البعثة النبوية وانتشار رسالة الإسلام، وبيّن أخيرا حجم الخسارة التي يعيشها العالم بعد تراجع دور المسلمين في العالم، وتركهم لقيادة العالم بالإسلام وشريعته!

تأسيا بالإمام القدوة أبي الحسن الندوي، يحق لنا بعد مرور أربعة أشهر على إغلاق مركز تكوين العلماء أن نصيغ سؤالا جدليا جديدا على نمط سؤال الندوي، وهو: ماذا خسر العلم بإغلاق مركز تكوين العلماء!؟

وسنستعير هنا أدواته التي استخدم في الإجابة على السؤال بشكل مختصر جدا.

- ما قبل مركز تكوين العلماء:

لقد كانت مؤسسات التعليم الشرعي قبل مركز تكوين العلماء تنقسم إلى قسمين: 

1- محاضر تقليدية

2- محاضر نموذجية

أما ما يسمى ب " المحاضر النموذجية" فلم تكن في غالبها محاضر علمية شاملة، وإنما تقتصر على تحفيظ القرآن الكريم، وتدريس بعض المتون المبتدئة والمتوسطة، وغالب من يدرس فيها طلبة علم أو دعاة لا يعرف عنهم كبير تميز  أو إتقان.

وأما المحاضر التقليدية فقد بدأت في التراجع الشديد، ولم تعد كما كانت في السابق، وما عادت تستطيع تخريج علماء يجمعون بين العلم الشرعي، والثقافة العصرية، ناهيك عن قلة الاطلاع، وضيق الباع في مجال البحث العلمي، والمنهجية بشكل عام، أضف إلى ذلك قلة أو انعدام وجود بيئة تربوية تغرس في الطلاب التدين والقيم والأخلاق الإسلامية، وحمل همّ الدعوة إلى الله تعالى، وما تعيشه الأمة من مشكلات في جميع بقاع العالم.

- افتتاح مركز تكوين العلماء:

نظر بعض الدعاة والعلماء إلى الحالة " الفوضوية" التي تعيشها مؤسسات التعليم الشرعي، وبحثوا عن السبيل الأمثل للخروج من هذه الأزمة،  وهذا "الانحطاط" الذي بدأت تعيشه المحضرة الشنقيطية؛ فكان أن جاءت فكرة افتتاح مؤسسة تعليمية جديدة تحمل اسم: " مركز تكوين العلماء" برئاسة العلامة محمد الحسن الددو.

لقد حاول القائمون على المركز أن يؤسسوا بنيانهم الجديد مستفيدين من إيجابية المحضرة الشنقيطية القديمة، مع استحداث منهج تعليمي وإداري وتنظيمي جديد، واستقطبوا عددا من الكفاءات العلمية والإدارية والتربوية، ويمكن ذكر بعض إيجابيات ومزايا المركز الجديدة في النقاط التالية:

1- من الناحية الإدارية:

- صار المركز مؤسسة منظمة يقودها فريق عمل متكامل، يعمل بشكل تنظيمي منظم، يضع الخطط ويعمل على تحقيق الأهداف، ويتابع الأساتذة والطلاب...وهذه إيجابية كبيرة كانت تغيب عن المحضرة التقليدية.

- يكتتب الطلاب من خلال مسابقة ذات معايير موضوعية، وهو ما يجعل المنتسب إلى المركز شخصا مؤهلا لتلقي العلم الشرعي، ومؤهلا لأن يكون عالما، وهو ما يجعل التسمية متطابقة مع الهدف والوسيلة، والنتيجة في نهاية المطاف.

- استقطب المركز عددا من العلماء والمتخصصين، ولم يسبق أن اجتمع هذا الكمّ من العلماء في مؤسسة تعليمية واحد قبل مركز تكوين العلماء، اللهم إلا ما كان من معهد بوتلميت قبل عقود أو المعهد العالي في بداياته!

2- من الناحية العلمية:

- أضاف المركز مقررات جديدة لم تكن المحضرة التقليدية تدرسها سواء من حيث المتون أو العلوم.

- لم يكتف المركز بتدريس المتون العلمية فحسب، وإنما أضاف إليها دراسة المطولات في مرحلة التخصص، وهو ما يجعل الطالب مطّلعا اطلاعا واسعا في مجال تخصصه.

- أضيفت مواد عصرية أخرى مثل اللغة الفرنسية والمعلوماتية، وما يتعلق بالمذاهب الفكرية المعاصرة، ومناهج البحث العلمي، إضافة إلى دورات في النوازل المعاصرة وغيرها.

- في مجال التقويم لم يكتف بجانب الفهم فحسب كما تفعل المؤسسات العصرية، ولم يهتم بالحفظ على جانب الفهم كما يفعل كثير من المحضريين؛ ولكنه مزج بين الحفظ والفهم، وجعل مكانتهما واحدة.

3- من الناحية التربوية:

استحدث المركز نظاما تربويا داخل مؤسسته، وصار يهتم بتربية الطلاب وتزكيتهم، ويقيم لهم مخيمات دعوية وتربوية، ويعينهم على أداء الأعمال الصالحة، ونوافل الصلاة والصيام مثل صيام الإثنين والخميس، وغير ذلك من الأعمال التي تزرع التدين في نفوس الطلبة.

والخلاصة أن مركز تكوين العلماء صار مؤسسة تعليمية شاملة، تحاول تخريج علماء يجمعون بين العلم والعمل والثقافة والدعوة، وهو ما كان مفتقدا بهذا الشكل المتكامل المتوازن قبل افتتاح المركز.

- ما بعد مركز تكوين العلماء:

أُغلق مركز تكوين العلماء ظلما بعد سنوات من العطاء، وبمسوغات واهية متناقضة، وعادت الحالة العلمية إلى ما كانت عليه.

ولأن القائمين على الوزارة الوصية في موريتانيا يعرفون مدى خسارة العلم الشرعي،  بسبب إغلاق مركز تكوين العلماء؛ أُعلن عن افتتاح معهد لتكوين العلماء، لكنه لم يبدأ لحد الساعة، ولا أحسبه " سيقلص الخسارة" التي وقعت بسبب إغلاق المركز؛ ذلك لأنه لم يؤسس- إذا أسس حقا- على أسس سليمة، ولم يأخذ بأسباب النجاح التي أخذ بها مركز تكوين العلماء.

مع أنه إذا نجح وسار على درب المركز؛ فإنه لن يسدّ مسدّه، ولن يُستغنى عنه، وستظل الخسارة قائمة.

أما بعد: فمتى سندرك حجم الخسارة التي تعرض لها العلم الشرعي وحملته وطلبته بسبب إغلاق مركز تكوين العلماء!؟

وهل من رشيد داخل النظام الحاكم يدعو إلى فتحه!؟