ماذا تخبرنا زيارة الأسد عن النظام الإيراني؟
زار بشّار الأسد الأسبوع الماضي إيران للمرّة الاولى منذ اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١. الزيارة كانت عاجلة على ما يبدو ويعتقد أنّه قد تم الترتيب لها من قبل قاسم سليماني بهدف تسليط الضوء على "الانتصار الإيراني" في سوريا في مرحلة ما بعد داعش وإرسال رسائل في هذا الصدد إلى الدول المتنافسة على النفوذ داخل سوريا وفي الإقليم.
وفيما يتعلق بتفاصيل الزيارة ومضمونها، فقد قيل الكثير مع التركيز على الطريقة التي تمّ بها التعامل مع نظام الأسد حيث جرى استقباله وحده منفرداً دون أي مرافق ومع إهمال تام للمراسم التي من المفترض أن تطبّق حال استقبال أي رئيس دولة بما في ذلك أبسطها وهي رفع العلم السوري – كما يقتضي البروتوكول- خلال لقائه بالرئيس روحاني.
لكن بغض النظر عن هذا الأمر، فإنّ الزيارة التي كان من المفترض بها أن تركّز على الانتصار الإيراني في سوريا تحوّلت فجأة إلى فوضى داخلية عارمة في إيران وذلك مع تقديم وزير الخارجية جواد ظريف استقالته من منصبه بطريقة غير تقليدية عبر إنستغرام احتجاجاً على عدم السماح له بحضور أي من الاجتماعات التي تمّ ترتيبها للرئيس السوري مع المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني.
بعضهم أشار كذلك إلى أنّ موضوع استقبال الأسد هو واحد من المواضيع الخلافية فقط، وأنّ الإشكال بين الطرفين المعنييّن داخل إيران لا ينحصر فيه وإنما يمتد ليشمل مواضيع أخرى على رأسها السياسة الخارجية تجاه عدد من بلدان الشرق الاوسط بالإضافة إلى الموقف من الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي ترمب، وما هي الآلية المناسبة للرد على هذه الخطوة.
وبهذا المعنى، فقد كشفت زيارة الأسد الأخيرة إلى طهران عن حجم الخلاف الداخلي بين أجنحة النظام الإيراني ورجالاته، وهو خلاف ليس مستجداً أو طارئاً بطبيعة الحال، لكنّ تفاعلاته ظلّت تجري حتى حينه خلف الأبواب المغلقة. معظم التحليلات التي تحدّث عن الاشتباك الذي ظهر إلى العلن مع هذه الزيارة وقعت في فخ تصنيفه على أنّه صراع بين معتدلين ومتطرفين داخل النظام الإيراني.
مثل هذا التصنيف مخادع وليس دقيقاً، وفي حقيقة الأمر فإن النظام الايراني يحبّذ أن يتم توصيف هذه الخلافات بهذه المفردات لأنّ ذلك يفيده على مستوى التخاطب مع الغرب، وعلى مستوى الاحتفاظ بخيارات ومساحة للمناورة، وعلى مستوى تخفيف الضغط، وذلك بحجّة إمكانية أن يؤدي إلى الإطاحة بمن يوصفون على أنّهم معتدلون مقابل صعود من يوصفون بأنّهم صقور أو متطرفون. كل من يوصفون بالمعتدلين أو المتطرفين إنما يعملون في نظام واحد يقوده المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية. ليس هناك مخالف لهذه المنظومة وبالتالي لا فرق بين من يسمّون معتدلين ومتطرفين من هذه الزاوية.
هناك طبعاً مساحة للاختلاف بين الفريقين في الرؤى وآليات التنفيذ لكن اللعبة بأكملها تظلّ مضبوطة بمسار المرشد الأعلى ورؤيته فلا اتفاق
نووياً كان من دون موافقة الرشد الأعلى، ولا خروج منه لاحقا في المستقبل سيتم من دون موافقة المرشد الأعلى أو بمؤشّر منه. نفس الشيء ينطبق على باقي المواضيع المهمّة في إيران، فإذا فهمنا هذه النقطة سندرك حينها أنّ الخلاف ليس بين معتدل ومتطرف وإنما هو خلاف قام على الصلاحيات ومراكز القوى ضمن المنظومة التي تحدثنا عنها.
وبينما يرى البعض في حجم الاعتراض على استقالة ظريف، ورفض رئيس الجمهورية قبولها، بالإضافة إلى صدور ما يشبه الاسترضاء العلني لظريف من قبل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري مؤشرات على انتصار ظريف في هذه المعركة، فإن آخرين يرون أنّ المعسكر التابع للمرشد مباشرة فضّل إغلاق الملف في هذه المرحلة لأنّ توقيتها لم يكن ملائماً له، على أن يتم تصفية الحسابات بشأن ما جرى لاحقا. فإن صحّ مثل هذا الاجتهاد، فهذا يعني أنّنا سنكون مقبلين خلال المرحلة اللاحقة على معارك داخلية إيرانية-إيرانية بموازاة المعارك الحاصلة إقليمياً وهو ما سينعكس بالتأكيد على الملفات ذات الطابع الخارجي للبلاد. هل سيحسن خصوم إيران استغلال مثل هذه الفرصة إن حصلت؟
وسوم: العدد 814