أمريكا وعلاقة المصالح
واضح أنّ النّظام العربيّ الرّسميّ لم يعد يجرؤ حتّى على الشّجب والاستنكار التي اعتاد عليها عندما يتعلّق الأمر بأمريكا واسرائيل. فتصريحات غرينبلات المبعوث الأمريكي "للسّلام في الشّرق الأوسط" قبل يومين على شبكة "سكاي نيوز" حول "فصعة" القرن، والتي قال فيها:" أن الولايات المتحدة لا تتخذ قراراتها بناء على جهود السلام فقط، "فقراراتنا تتّخذ بناء على ما هو في مصلحة الولايات المتحدة، كما فعلنا مع مرتفعات الجولان، والاعتراف بالقدس عاصمة تاريخية لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس!" لم تواجه بردّ عربيّ يليق بها، مع أنّ الرّجل أكّد بدهيّة سياسيّة معروفة للجميع، وهي أنّ العلاقات بين الدّول تقوم على المصالح، وما لم يقله الدبلوماسيّ الأمريكيّ هو أنّ أمريكا في سياساتها تجاه الشّرق الأوسط لا ترى العرب دولا وشعوبا، ولا تحسب لهم أيّ حساب، ورغم أنّ النّظام العربيّ الرّسميّ سلّم مقدّرات الوطن العربيّ وشعوبه لأمريكا دون مقابل، وارتضى حالة الاستسلام لأمريكا، إلا أن أمريكا لم تحفظ ماء الوجه لوكلائها العرب.
وقد أثبت الاستسلام العربيّ الرّسميّ أنّ المصالح الأمريكيّة في المنطقة العربيّة مؤمّنة تماما في ظلّ اسرائيل قويّة وعرب ضعفاء. فأمريكا تسيطر سيطرة تامّة على منابع البترول العربيّ، وقواعدها العسكريّة منتشرة في الوطن العربيّ، والتّطبيع العربيّ الرّسميّ مع اسرائيل "كبادرة حسن نيّة"! وبناء على طلب أمريكيّ تسير في تصاعد مستمرّ ووصلت درجة التّنسيق الأمني والعسكريّ، في ظلّ استمرار الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي العربيّة المحتلّة. ويستمر تنفيذ مشروع "الشّرق الأوسط الجديد" الأمريكيّ لإعادة تقسيم المنطقة لدويلات طائفيّة متناحرة بمال وسلاح ودم عربيّ، ومن هنا جاء تقسيم السّودان، واحتلال وتدمير العراق وهدم دولته، وتدمير سوريا، ليبيا واليمن، ومن خلال "تعريب" الصّراع، فالقاتل والمقتول والمدمّر والخاسر عرب، والرّابح أمريكا وإسرائيل.
من هنا جاءت تصريحات غرينبلات، والقائلة بأنّ "من مصلحة الولايات المتّحدة، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسّيادة الإسرائيليّة على الجولان السّوريّة المحتلّة." وما لم يقله غرينبلات أنّ أمريكا تقوم بتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسعيّ؛ وأنّها تقوم بتنفيذ ذلك على أرض الواقع. فكيف يمكن تفسير هذا الصّلف الأمريكيّ؟ وهل كانت أمريكا تجرؤ على هكذا أفعال تتخطّى القانون الدّولي وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، لو كانت تشعر بأيّ تهديد لمصالحها في المنطقة العربيّة؟ وهل يعني هذا أنّ بقاء "كنوز أمريكا واسرائيل الاستراتيجيّة" في المنطقة العربيّة مرهون بالموافقة على كلّ السّياسات الأمريكيّة دون نقاش؟ وهل يعني هذا أنّ هذه الكنوز الاستراتيجيّة ترى مصالحها من خلال عدائها لمصالح أوطانها وشعوبها؟ وكيف ترتضي الشّعوب العربيّة ذلك؟
وسوم: العدد 821