يبدو أن ما حدث في مصر سيتكرر في السودان والجزائر وليبيا
من المؤكد أن تلكؤ الجيش السوداني والجزائري في تلبية مطالب الشعبين بتسريع وتيرة تسليم السلطة للمدنيين تمهيدا لمسار ديمقراطي حقيقي ينهي حكم الجيش ويعيده إلى ثكناته وإلى مهمته الأساسية وهي حراسة الحدود وحماية الديمقراطية أصبح يثير الشكوك في ما يضمره ضباط الجيشين من نوايا بات سوءها يلوح في الأفق . فبالأمس نقلت وسائل الإعلام أن الجيش السوداني يخطط لفض اعتصام الشعب بذريعة فتح المعابر والمسالك والطرقات ، وهو ما جرى تماما في مصر عندما تقرر اقتحام ساحات الاعتصام بالجرافات والآليات ، وبإطلاق الرصاص على المعتصمين و قتل أعداد كبيرة منهم واعتقال المئات منهم .
إن تكرار السيناريو المصري غير مستبعد في السودان والجزائر وليبيا أيضا ، وقد تكون البداية في السودان لقربه من مصر خصوصا ومتزعم الانقلاب فيها لا يقر له طرف حتى يكون مآل ثورة الشعب السوداني الفشل ، ولا تقوم للديمقراطية في السودان قائمة، لأنها بمثابة تهديد مباشر له ولشبح الديكتاتورية الجاثمة على صدر الشعب المصري .
ومعلوم أن جنرالات فرنسا في الجزائر لا يحتاجون إلى تلقي الدروس من السيسي لأنهم كانوا أساتذته السباقين إلى أسلوب قمع الشعب الجزائري في تسعينيات القرن الماضي، ولا شك أن السيسي قد استفاد من تجربتهم ، وأعاداها بنجاح .
أما اللواء المتقاعد وهو من فلول النظام البائد ،و الذي يقوم بانقلاب عسكري في ليبيا على طريقته الخاصة بعلم وصمت العالم خصوصا الدول الغربية والتي كشف النقاب عن تشجيعها له بل وعلى مشاركة عناصر من جيوشها في هجومه على مدينة طرابلس ، فإنه يسير على نهج السيسي لأن قلق هذا الأخير من نجاح تجربة ديمقراطية حقيقية في السودان هو نفس ما يقلقه في ليبيا التي تجاوره من جهة الغرب ، ولهذا يدعم اللواء المتقاعد ماديا ومعنويا ، ويمده بالسلاح ، ومن المؤكد أن قوات مصرية تشارك في هجومه على طرابلس تماما كما تشارك فيه قوات فرنسية وخليجية أيضا .
وتلتقي أنظمة خليجية شمولية مع السيسي في الخوف من نجاح أية تجربة ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي ، تكون بمثابة نذير شؤم لها، لهذا نراها تمول بسخاء عمليات الإجهاز على هذه التجارب في شرق وغرب الوطن العربي لضمان بقائها ،علما بأن نجاح أول تجربة ديمقراطية حقيقية في هذا الوطن سيكون بمثابة إعلان عن نهاية كل الأنظمة الشمولية فيه وانهيارها الواحدة تلو الأخرى حتى تسقط عن آخرها ,
وأكثر خوفا من نجاح أية تجربة ديمقراطية في الوطن العربي الدول الغربية المستفيدة من مقدرات وثروات هذا الوطن الذي يعتبر أغنى وطن في العالم، والتي تعتمد على الأنظمة الفاسدة فيه لاستباحة ونهب ثرواته السائبة لضمان رفاهيتها على حساب شعوبها المقهورة ، لهذا تعتمد أساليب السكوت الشيطاني على قمع الشعوب العربية المطالبة بالديمقراطية بل تقدم الدعم المادي والمعنوي للجيوش في الوطن العربي للإجهاز على كل التجارب الديمقراطية بقمع كل حراك أو ثورة تنشدها .
وأشد خوفا من الأنظمة العربية الفاسدة ومن الأنظمة الغربية الكيان الصهيوني المستنبت في قلب الوطن العربي، والذي ليس من مصلحته أيضا نجاح أية تجربة ديمقراطية حقيقية تنتشر بعد ذلك في كل ربوع الوطن العربي ، وتحيى فيه عودة فكرة تحرير فلسطين من الاحتلال البغيض ، ولهذا يدفع الكيان الصهيوني بكل قوة في اتجاه تسريع وتيرة الإعلان عن مؤامرة ما يسمى بصفقة القرن المشئومة مستغلا أوج استبداد الأنظمة الشمولية في الوطن العربي ، وهرولتها للتطبيع معه .
فهل ستنتصر في نهاية المطاف إرادة الشعوب العربية ؟ وهل سيكتب النجاح لتجربة ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي فتعم بعد ذلك كل أقطاره أم أن قدر هذا الوطن البائس أن تستبد به الأنظمة الشمولية وتسخر جيوشها لقمع شعوبه وخنق أنفاسها ؟
وسوم: العدد 822