ماذا يعني مطلب *تسليم السلطة للمدنيين*؟
كثيراً ما نسمع هذه المطالب من المطالبين بالحرية السياسية وعدم هيمنة العسكر على الحكم. وغالباً ما تقوى هذه الأصوات عند نجاح أي ثورة تحيي أملاً لدى الشعب، أو عند حدوث إنقلاب يستخدم مصطلحات الثورة أو مرادفاتها.
ومع أنه مصطلح يجذب عامة الناس، غير أنه من المفيد إلقاء الضوء على معناه، لأنني أظن أن الناس لن تصل إلى ما تريد لأنها لا تعبر عما تريد بالطريقة التي يفهمها الجميع بنفس الفهم.
مصطلح *السلطة المدنية* في السياسة يعني أن السلطة تستخدم القوانين المتفق عليها في المجتمع (القانون) كأساس في الحكم. وأن القائم على السلطة يستخدم هذه الأدوات المدنية في تداول السلطة والتعامل مع شؤون المجتمع. ولا يستخدم القوانين الثورية أو العسكرية الخاصة بزمان ومكان معينين وإسقاطها على كل مناحي الحياة.
فيمكن أن يكون الحاكم أو السياسي لا يمتلك أي خبرة عسكرية حقيقية ولكنه يمارس حياة قمعية إستبدادية على شعبه.
ويمكن أن يكون عسكرياً خالصاً ولكنه يمارس النظم المدنية في مناحي حياة المجتمع والدولة. ولدينا أمثلة عربية *قح* لكل هذه الأنماط دون الخوض في الأسماء، فجميعنا يمكنه معرفة كل إسم وما يمثل.
لذلك، أقول أن مصطلح تسليم السلطة *للمدنيين* هو مصطلح عام غير محدد يريح من يعاني من سلطة عسكرية يقودها رجال عسكريين ويستخدمون النظم العسكرية أو شبه العسكرية في إدارة مناحي حياة الناس. ولكن المصطلح الأقرب لفهم العالم من حولنا هو *التحول إلى النظام المدني* في إدارة شؤون الدولة والناس.
والنظام المدني يشمل أول ما يشمل تفعيل *نظم تحقيق العدالة المجتمعية* كما يشمل إحترام القوانين والدستور، ويشمل التداول السلمي للسلطة، ويشمل ان مصلحة المجتمع مقدمة على المصالح الضيقة بأشخاص أو فئات، ويشمل نظام المحاسبة والشفافية والحكم الرشيد.
أما من يريد إستبدال حكم غير مدني بحكم آخر غير مدني كردة فعل فهذا كمن يستبدل ظالماً بظالم، مهما كانت الشعارات التي يرفعها.
وفي تفاعلات بناء الدول والمؤسسات، فإن أخطر ما يمكن ان يهدم هذه الدول والمؤسسات هو التلاعب بمشاعر الناس وإستغلال عواطفهم لتحقيق مصالح ضيقة ولو كان من باب الثأر من ظلم سابق.
عند إسقاط هذه النماذج على حالتنا العربية عامة، سنجد أن شعوبنا لا تزال تنضج بشكل تدريجي في مفاهيم النظم المدنية، وندفع أثماناً غالية في طريق الأمة للتغيير. وفي كل عملية تغيير تمر بها الأمة، ينضج أيضاً أعداء الأمة أيضاً في محاولة تأخير نضوجها في هذا المسار، ويجدون من أبناء جلدتنا أدوات تشوه مفاهيم النظم المدنية الإنسانية أمام أجيالنا الصاعدة، وخصوصاً تلك التي تربط حياتنا بديننا الإسلامي. مما يزيد من فرص مقاومة التغيير، ويزيد فرص ضياع جزء أكبر من أبنائنا ضحايا لهذا التغيير.
المسار الأقل خسارة وأسرع في الوصول إلى التغيير والأقرب للنجاح المرجو، هو الإصرار على الحرية والعدالة والإصرار على إستخدام النظم المدنية المتوافقة مع شرع الله عز وجل. وعدم الإنصياع خلف ردود الأفعال. وبإذن الله سننجح يوماً ما، وعسى أن يكون قريباً.
وسوم: العدد 822