داوود أوغلو يدقّ ناقوس الخطر
خضعت قراءة رئيس وزراء تركيا الأسبق أحمد داوود أوغلو لوضع حزب العدالة والتنمية ودعوته إلى فهم الرسالة التي عبّر عنها الناس في الانتخابات البلدية الأخيرة إلى انتقادات واسعة من قبل شريحة من منتسبي الحزب وأنصاره. ولفت بعض هؤلاء إلى أنه ما كان على داوود أوغلو أن يضع انتقاداته بشكل مفتوح وعلني على صفحته على الفيس بوك، على اعتبار أن ذلك سيؤدي إلى استغلال هذه الانتقادات بشكل سلبي من قبل المتربصين بما يضر بالحزب وبتركيا.
وقد اعتبر هؤلاء أنّه لو كان يريد انتقاد الوضع الحالي بشكل بنّاء فعلاً لكان أجدر به أن يناقش هذه الانتقادات من موقعه الداخلي كعضو في حزب العدالة والتنمية مع الأعضاء الآخرين. علاوة على ذلك، فقد شكك المنتقدون بنوايا رئيس وزراء تركيا الأسبق وثاني رئيس لحزب العدالة والتنمية، معتبرين أن ترجمته لعريضته الانتقادية ونشره إيّاها باللغة العربية إنما يهدف إلى مخاطبة جهات معيّنة خارج تركيا، ويمهّد لخطوات مشبوهة قد تؤدّي إلى تداعيات كبرى على المدى النظور.
وبخلاف ما ذكره داوود أوغلو في عريضته من وجود تراجع واضح في شعبية الحزب ومشاكل متفاقمة تعصف بآلياته الداخلية علاوة على الخيارات السياسيّة المتّبعة بوصفها عناصر سلبية تهدد مستقبل الحزب وموقعه، فإن الرواية الرسمية للحزب وأنصاره تتجاهل علامات التراجع هذا، وتركّز في المقابل على أنّ الحزب قد فاز في استحقاق انتخابي إضافي للمرة الخامسة عشرة على التوالي، وأنه حصد في الانتخابات البلدية الأخيرة أغلبية الأصوات، واحتفظ بغالبية البلديات، وأن الفضل في ذلك يعود إلى الجهود التي بذلها رئيس الحزب الحالي، لضمان حصول الحزب على الأغلبية الشعبية.
لكن مثل هذه الرواية تتناقض مع العلامات البيّنة على وجود مشاكل داخلية وتراجع شعبي لا يمكن إنكاره، وهو ما بدأ بشكل جلي في انتخابات عام ٢٠١٥، حيث خسر حزب العدالة والتنمية آنذاك للمرة الأولى منذ حوالي ١٣ عاماً الأغلبية المطلقة، وفشل في تشكيل الحكومة منفرداً، الأمر الذي اضطره إلى إنشاء تحالف مع حزب الحركة القومية اليميني، وهو التحالف الذي لا يزال يضمن من خلاله أغلبية برلمانية.
وفي الاستفتاء الذي جرى في عام ٢٠١٧، خسر الحزب للمرّة الأولى غالبية الأصوات في أنقرة واسطنبول، وقد كان ذلك بمثابة رسالة تحذير إلى الحزب من قاعدته الشعبية، لكن مع استمرار المسار على حاله تراجع الحزب للمرة الثالثة في الانتخابات البلدية الأخيرة.
ويمكن ملاحظة أن أكثر الساخطين على ملاحظات داوود أوغلو ما يمكن تسميته بمجموعة المصالح والمنتفعين، وهي مجموعة غالباً ما تتشكّل من أشخاص طارئين على الحزب، أو أشخاص يفتقدون إلى الكفاءة والخبرة، وتمّ تعيينهم في مناصبهم بسبب عناصر أخرى كالولاء، ويدينون بالفضل عما وصلوا إليه إلى أفراد بعينهم، كما ذكر داوود أغلو في ملاحظاته.
وبالرغم من التصريحات الرسمية التي تشير إلى أن الحزب قد فهم الرسالة، وأنه سيعمل على تصحيحها، فإن ضيق صدر البعض في استيعاب رسالته يشير إلى وجود انقسام حول طريقة التعاطي مع الاستنتاجات التي توصّل إليها في عريضته، علماً أنّ داوود أوغلو نفسه كان قد أشار إلى أن ملاحظاته ليست سرية، وسبق له أن نقلها عدّة مرات بشكل شخصي شفاهة، وكتابة إلى الرئيس، واختار حينها أن لا يشاركها مع الرأي العام كي لا تتحول إلى ذرائع لنقاشات سيئة.
أمّا وقد أصبحت هذه الملاحظات علنيّة الآن، فلا شك أنها ستختبر مدى عزم الحزب على تجديد نفسه وتخطي هذه المصاعب التي يواجهها مع نافذة زمنية استثنائية عمرها أربع سنوات.
وسوم: العدد 823