هذه كلمتنا يا شيخ عائض
حسنًا، قبلنا اعتذارك يا شيخ عائض القرني؛ ولكن بقيت لنا كلمة!
بقيت لنا كلمة نحن المتكدسين في جامع أبي بكر الصديق بأبها انتظارا للشاب عائض القرني (المتخرّج حديثًا من جامعة الإمام) حتى يملأ أرواحنا حماسة، وعقولنا أفكارا.
بقيت لنا كلمة نحن المتزاحمين في جوامع المملكة العربية السعودية ببهجة غامرة، لحضور أبي عبدالله، ذلك الخطيب المفوّه، الذي تهتز لكلماته المنابر، وتضطرب لأبياته الأفئدة، وتدور لبيانه الرؤوس!
بقيت لنا كلمة نحن المتهافتين على التسجيلات الإسلامية أيام أزمة الخليج وما بعدها لشراء أشرطة المحاضرات، والخطب، والأمسيات التي كنت (يا شيخ عائض) فارسها غير الملثّم، الذي لا يُقعْقع له بالشّنان، ولا يهاب ذا سلطان أو صولجان.
قبلنا اعتذارك قبولا مشروطًا!
فلا يصح في العقل أن تكون خطيب الأمس، ومعتذر اليوم، ونحن نظل حضور الأمس المكبّر، وجمهور اليوم المصفّق.
أرأيت أولئك الفتيان الذين كانوا يطربون لصوتك..
وأنت تزمجر:
"يا شباب الصحوة ما لكم إذا قيل لكن انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض"
وأنت تهتف:
"الحق أبلج والسيوف عوارِ
فحذار من صولات حكمتيارِ
وأنت تزلزل:
"الابتلاء.. تمحيص الصف الإسلامي!"
وأنت تهجو أحدهم!!:
"تفتي كأنك مالك في طيبة
كلا فأنت نزار في باراته"
أرأيتهم أولئك الفتيان؟ إنهم لم يعودوا فتيانا، لقد باتوا رجالا، وكهولا، ووَخطهم الشيب..
أقلتُ وَخَطَهم؟
معذرة: بل اشتعلت رؤوسهم شيبا! وصاروا آباء، بل وأجدادا، وبات من العيب أن تقول لهم:
(أعتذر) ثم تمشي ..
لحظة من فضلك يا فضيلة الشيخ، فنحن جيل من :القضاة، والأكاديميين، والأساتذة، والأطباء، والضباط، والمهندسين، والأمراء، والنساء والولدان، والأحياء، بل والأموات.. أخطأت في حقنا، ولنا كلمة، كلمة بسيطة، اعتبر أن مادّة شريطك انتهت، ويسرنا إكمال ذلك الشريط الصحوي العتيق بهذه المادّة!
إن الجيل الذي شدّدت عليه -بحسب اعترافك- يريد أن يقول كلمة للرجل الذي أخطأ في حقه، وعبث بتاريخه، وزوّر معتقداته.
*فأول ما نريد قوله هو* : ما نوع الخطأ الذي تعتذر عنه؟
ما نوع التزييف الذي مارسته، حتى نحاول معالجة أنفسنا منه؟ ما هي الأغاليط التي دسستها في خطابك الصحوي حتى نكنسها من أفكارنا؟
إنك -بحسب مفهوم كلامك التاريخي!-لوّثت آلة التفكير لدينا، نحن الجيل الذي نشأ على: "مصارع العشّاق، وسهام في عين العاصفة، وأبو ذر في عصر الكمبيوتر، ولا تحزن… "
حدد لنا الأخطاء (بشجاعة!)، حتى يمكننا فرز الحقيقة من الوهم في تصوّراتنا التي استقيناها من خطابك الذي تنصّلت منه.
*وثاني ما نريد قوله:* ما سبب تلك الأخطاء؟
هل كنت تكذب على الدين، وتفتي لنا بغير علم؟ هل كنت (تقدح من رأسك) وأنت تحدثنا عن الله، والرسول، والصحابة؟
هل كانت مواعظك تدليسًا، وفتاواك كذبًا، وقصائدك رقصًا، ودموعك نفاقًا؟
من الصعب أن تقول، اعذروني فقد أخطأت، ثم تجعل أخطاءك مقدّسة، لا يمكنك أن تحدثنا عن سيرتها الذاتيّة! ولا أن تُظهر لنا شيئًا من ملفاتها السوداء.
*وثالث ما نريد قوله* : إن الذي كنت تقوله يا عائض بالأمس هو ذاته المرقوم في كتبك التي ضاقت بها أرفف مكتبات جرير والعبيكان والرشد والمؤيد، ودور النشر، ومعارض الكتاب…
إن تزويرك مازال يُبَث، وأغاليطك ما زالت تتسرّب لعقول النشء! والمضحك أنك تأخذ مالا مقابل هذا التزوير، وتتوهّج إعلاميًا مقابل تلك الأغاليط !!
إن اعتذارك عن فكرٍ ما زلت تقبض إيراداته مع نفاد كل طبعة، ليجعل الجيل (المضحوك عليه) يتميّز غيظًا، وحنقًا.
نريد منك أن تسحب مؤلفاتك من المكتبات، تلك التي كتبتَها بأفكار (متشددة) ونسجتها في حقبة (طائشة) وحبّرتها إبان فترة (التغرير).
نريدك أن تسحبها، لنضمن ألا تتسرب أخاديعك وأكاذيبك لأبنائنا؛ بل لأحفادنا، لأن أبناءنا -للأسف- قد انخدعوا بالفعل!
*ورابع ما نريد قوله* : يجب عليك أن تخرج عن ثروتك التي راكمَتها سنوات الضياع، وحقبة الخداع!
نريدك أن تبيع قصرك ذا السبعة مليونًا، وأسطول السيارات الفارهة، ومزرعتك المترامية الأطراف، ثم تستخرج مدخراتك من البنوك، وتحويشاتك المليونيّة لتضعها في مركز فكري، تقوم عليه جهة (غير مغرر بها!) لتنظيف واقع ملأته بالزيف، والضحك على الذقون.
كيف تنام -يا فضيلة الشيخ- على سرير فاره اشتريته من إيراد شهرة صنعتَها بتراكم الأخطاء، وتزاحم العبث بعقول جيل كان يحسن الظن بنبرتك، ودمعتك، وكلمتك؟
اذهب وبع سريرك في حراج ابن قاسم، فقد بعت -للأسف- ما هو أهم من سرير!!.
لقد بعت جيلًا أحبك، ودعوات ارتفعت لك، وقصائد كُتبت فيك..
بعت ثلاثين سنة من عمر منبرك، وثلاثين سنة من عمر كلمتك، وثلاثين سنة من عمر خيبتنا فيك..
اذهب واغسل خطيئتك جيدا .. فالأجيال منكوبة بك، والتاريخ لا يرحم!
*وآخر ما نريد قوله:* اعتذر يا شيخ عن ماضيك كما تريد، وتنصّل عن خطابك كما تشاء، لكن نرجوك أن تدع ماضي غيرك لغيرك، وأجمل ذكريات الآخرين للآخرين.
من فوّضك لتعتذر عنه؟ ومن أعطاك وكالة لتدسّ نفسك معه في سلّة واحدة؟
هل الشيخ ابن باز همس في أذنك قُبيل موته بأن تتكلم بلسانه؟
أو أن الشيخ ابن عثيمين دوّن في وصيّته ما يجعلك المتحدّث باسمه؟
أم أن معاشر العلماء والدعاة وأهل الفكر والرأي الأحياء منهم والميتين عجموا أعواد أنفسهم فوجدوك جذيلها المحكك، وعذيقها المرجّب، فجعلوا نحرك دون نحورهم، وسمعتك ردءًا لسمعتهم؟
افعل بتاريخك الشخصي يا شيخ عائض ما شئت..
أحرق خطبك، واركل مواعظك، وتنصّل عن أيامك، لكن دع ما لغيرك لغيرك.
هذه كلمتنا (البسيطة جدًا) ننتظر تعليقًا (تاريخيًا) حولها، كهيئة تعليقاتك، واعترافاتك.
وحتى حين ذلك التعليق، الذي نشكّ في صدوره عنك، اسمح لنا أن نرتّل بخشوع:
﴿وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾
*توقيع: جيل الخيبة*
وسوم: العدد 824