أزمة السلطة الفلسطينيّة الماليّة
تتعرّض السّلطة الفلسطينيّة لضغوطات هائلة كثيرة، ومنها الضّغوطات الاقتصاديّة التي ابتدأت بقطع الإدارة الأمريكيّة مساعداتها الماليّة عن السّلطة بعد معارضتها المبدئيّة لقرار ترامب في 6 ديسمبر 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتوالت الضّغوطات على الدّول العربيّة التي استجاب بعضها بشكل كلّيّ والبعض الآخر بشكل جزئيّ لوقف مساعداتها للسّلطة الفلسطينيّة؛ كي ترضخ لما يسمّى "صفقة القرن". وجاءت اسرائيل منذ أربعة أشهر لتخصم ما قيمته حوالي 12 مليون دولار شهريّا من أموال المقاصّة الفلسطينيّة -التي تجمعها اسرائيل كونها دولة محتلّة تحكم قبضتها على الاقتصاد الفلسطينيّ-، بحجة أنّها تدفع كمخصصات لأسر الشّهداء والأسرى، ممّا دفع السّلطة ومعها كامل الحق لرفض استلام المبلغ المتبقي والذي يعادل 180 مليون دولار شهريّا، واسرائيل التي تتعامل مع الشّعب الفلسطينيّ بلغة القوّة فقط تهدف من خلال خصم مخصّصات أسر الشّهداء والأسرى إلى اعتبار من يقاوم الاحتلال ارهابيّا، ويجب فرض عقوبات جماعيّة عليه وعلى أسرته، وهذا مخالف للقانون الدّوليّ وللأعراف الدّوليّة، لأنّ احتلال أرض الغير هو قمّة الإرهاب، ولم لم يكن هناك احتلال لما كانت هناك مقاومة. لكنّ اسرائيل التي لا تحترم القانون الدّولي ولا قرارات الشّرعية الدّوليّة تحظى بدعم واسع ولا محدود من الإدارة الأمريكيّة المتصهينة. وممّا يؤسف له أنّ كنوز أمريكا واسرائيل الاستراتيجية في دول النّفط العربيّة يستجيبون للأوامر الأمريكيّة دون نقاش، حتّى وصل الأمر بهم إلى تطبيع العلاقات وتحالفات أمنيّة مع اسرائيل في ظلّ استمرار احتلالها للأراضي العربيّة.
والسّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستستمرّ هذا الضّغوطات الماليّة على السّلطة الفلسطينيّة حتى إيصالها إلى الانهيار؟ وهذا السّؤال يقودنا إلى متاهات كثيرة، فمن ناحية فلسطينيّة فإنّ السلطة الفلسطينيّة مشروع وطنيّ يبني الفلسطينيّون آمالهم بأن يقود هذا المشروع إلى الدّولة الفلسطينيّة المستقلة بعاصمتها القدس الشّريف بعد كنس الاحتلال ومخلّفاته كافّة، في حين ترى اسرائيل أنّها لن تعطي الفلسطينيّين سوى إدارة مدنيّة على السّكّان وليس على الأرض، ويساندها في ذلك الإدارة الأمريكيّة التي أصبحت في عهد ترامب تتلقّى التّعليمات من حكومة اسرائيل وتتبنّاها وتصدر قرارات بها، دون الالتفات للقانون الدّوليّ ولقرارات الشّرعيّة الدّوليّة.
وفي ظلّ اختلال موازين القوى العالميّ والاستسلام العربيّ الرّسميّ في غالبيّته أمام الطلبات الأمريكيّة والاسرائيليّة، فإنّ اسرائيل تخطّط وتعمل على إيجاد بدائل للسّلطة الفلسطينيّة أشبه ما تكون بروابط القرى البائدة.
فإلى أين ستصل الأمور بالسّلطة الفلسطينيّة في ظلّ هذه التّعقيدات المفروضة عليها؟ وهل ستبقى تحت رحمة أمريكا واسرائيل والتّخاذل العربيّ الرّسميّ؟ وفي تقديري أنّ السّلطة الفلسطينيّة متنبهة جيّدا لكلّ الخيارات، ولن تبقى رهينة لهذا الواقع الذي تحاول أمريكا إيجاد حلول اقتصاديّة له من خلال لقاء المنامة في البحرين المزمع عقده في 25 و26 حزيران الحالي، وهذا يتلاقى مع طروحات نتنياهو القديمة الجديدة والدّاعية إلى تصفية القضية الفلسطينيّة وحصرها في حلول اقتصاديّة فقط، مع تكريس الاحتلال والابتعاد عن أيّة حلول سياسيّة تفضي إلى تمكين الشّعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف.
وفي تقديري أنّ السّلطة الفلسطينيّة في حال وصولها إلى مأزق حقيقيّ ونهائيّ ستقوم بحلّ نفسها، وإعادة قضيّتها إلى شعبها الذي لن يقبل باستمرار الاحتلال ولا ببدائله المشبوهة، وستشتعل المنطقة من جديد، وستدخل صراعات طويلة ولن ينجو أحد من لهيب نارها، لكنّها بالتّأكيد ستقلب السّحر على السّاحر.
وسوم: العدد 828