لا مصداقية لاستطلاع زعمت الجهة المنظمة له أن نسبة غير المتدينين في المغرب تضاعفت أربع مرات ؟

نشر الموقع الذي يصفه أصحابه بالأول في المغرب مقالا تحت عنوان : (  استطلاع يكشف تضاعف نسبة غير المتدينين  في المغرب أربع مرات )

ومما جاء في المقال :

 " كشفت دراسة حديثة أجرتها شبكة البارومتر العربية البحثية المستقلة لفائدة شبكة (بي بي سي) البريطانية عن معطيات مثيرة حول الدين والتوجه الجنسي والهجرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا . وتقول الدراسة إن مجتمعات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تصور غالبا على أنها مجتمعات متدينة ومحافظة حضاريا ومتجانسة ، تضمر عكس هذا التصور حيث كشف الاستطلاع أن عددا متزايدا من سكان المنطقة يديرون ظهورهم للدين والتدين .

وحسب المعطيات التي تضمنها الاستطلاع الذي شمل 25 ألف شخص من 10دول بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية ، فإن نسبة الذين يصفون أنفسهم بغير المتدينين ارتفعت منذ عام 2013 من 8 في المائة إلى 13 في المائة .

وصنف الاستطلاع المغرب ضمن البلدان التي تعرف تزايدا لغير المتدينين إذا تضاعف عددهم أربع مرات ، بينما تضاعف عددهم مرتين في مصر ، وتحتل تونس المرتبة الأولى حيث يعتبر ثلث سكانها أنهم غير متدينين ، ويعتبر ربع الليبيين أنفسهم كذلك . وتعتبر الفئة العمرية دون سن الثلاثين حسب  هذا الاستطلاع  بنسبة 18 في المائة . )

بالرغم من أن شبكة الباروميتر العربية  التي بدأت عملها عام 2006 والتي أجرت الاستطلاع تصف نفسها بغير الحزبية والمستقلة ،وأنها ذات مصداقية ، فلا شيء يمنع من التساؤل عن ما تخفيه من خلفيات . وإذا كانت خلفياتها غير مصرح بها ، فإن هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي  التي تأسست سنة 1922معلومة الخلفية والتوجه،  وإن كانت هي الأخرى تدعي بدورها الحياد إلا أن رفضها إذاعة مناشدة إنسانية لفائدة ضحايا قطاع غزة أثناء الهجوم الصهيوني عليها سنة 2009  كشف انحيازها إلى الصهاينة  وإن حاولت  عبثا نفي ذلك ، فضلا عن كونها منحازة إلى العالم الغربي وقيمه .

ولفهم هذا الاستطلاع لا بد من استحضار تداعيات الإجهاز على ثورات وحراكات الربيع العربي التي كشفت عن رهان الشعوب العربية على الإسلام للتخلص من الأنظمة الشمولية والفاسدة التي تحكمها بقبضة من حديد . ومعلوم أن الغرب المتوجس مما يسميه الإسلام السياسي صنع عصابات داعش الإجرامية التي أوكل إليها مهمة تشويه الإسلام لصرف الشعوب العربية عن رهانها عليه .

 ففي هذا السياق يفهم القصد من هذا الاستطلاع التي أجرته شبكة الباروميتر لفائدة شبكة البي بي سي ،وهو التشيك في تدين الشعوب العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لينسجم ذلك مع  ترويج فكرة فقدان الشعوب العربية  الثقة فيما يسميه الغرب الإسلام السياسي في صيغة عصابات داعش الإجرامية المستأجرة لتشويه الإسلام ، وقد اتخذ الغرب هذه العصابات ذريعة للإجهاز على كل من يعارض سياسته في الوطن العربي رافعا شعار الإسلام وإن كان يصرح برفضه للعنف وإدانته للإرهاب بما في ذلك إدانة عصابات داعش الإجرامية .

فسيان القول بتراجع فكرة رهان الشعوب العربية على الإسلام ، والقول بأن نسبة غير المتدينين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد ارتفعت من سنة 2013  إلى سنة 2019 ،وهي الفترة التي شهدت الإجهاز على ثورات وحراكات الربيع العربي  بشكل مكشوف .

ومعلوم أن نتائج هذا الاستطلاع  فاقدة للمصداقية  تماما إذ كيف يمكن الحكم على ثلث سكان تونس  وربع الليبيين بأنهم غير متدينون انطلاقا من استجواب 25 ألف مستجوب  من 10 بلدان بمعدل 2500 مستجوب  للبلد.

وغير واضح ما المقصود بعبارة غير متدين، فهل هو المرتد الذي خلع ربقة الإسلام أم هو المحسوب على الإسلام الذي لا يقيم الشعائر الدينية من صلاة وصيام وحج ...؟ أم هو المحسوب على الإسلام الذي يرتكب المحرمات من قبيل شرب الخمر والزنا ...؟  ومعلوم أنه لا يمكن شرعا إخراج أحد من دائرة الإسلام إلا بكفر بواح كما يقال . فهل كان سؤال الاستطلاع هو هل أنت كافر أم أنت  مسلم ؟ أما كان هل أنت تقيم الصلاة وتصوم أم لا ؟  أما كانت صيغة أخرى اعتبرتها الجهة المستطلعة ناقضة للتدين في نظرها  ؟

إن الغرب العلماني لا يخفي رغبته في عولمة علمانيته في البلاد العربية من أجل صرف شعوبها عن الرهان على الإسلام كحل للخروج من وضعية ما بعد النكبة وما تلاها من نكسات وأوضاع مزرية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا . ومن أجل ذلك يعمد إلى تشجيع فئة الشباب تحديدا على تبني الاعتقاد العلماني ، وهو يجند طوابير علمانية خامسة  مأجورة لتتولى نيابة عنه  الدعاية لعلمانيتها ردا على اكتساح الإسلام عقر دارها ، وإقبال الإنسان الغربي على الإسلام بعد فقدان الثقة في العلمانية التي لم يجد فيها ما ينشده من راحة وطمأنينة وعدالة .

وإن الطوابير العلمانية الخامسة التي تنوب عن الغرب في الإجهاز على الإسلام تعوض قلة عددها في الوطن العربي باستعمال الدعاية الإعلامية  الواسعة والمكثفة التي تتول تسويقها مواقع إعلامية  معلومة التوجه والتمويل والتي تريد أن تعطي انطباعا بوجود تراجع التدين لفائدة اللاتدين أو اللائكية أو العلمانية .

والحقيقة التي يريد الغرب طمس معالمها هو أن الشعوب العربية ازداد تدينها وهو ما جعلها تراهن في ثورات وحراكات ربيعها على الإسلام ، وتضع ثقتها في أحزاب سياسية تتبنى التصور أو المرجعية الإسلامية ، وقد واجه بعضها الاستئصال كما هو الشأن بالنسبة لحزب الحرية والعدالة  المصري المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين ، في حين واجه البعض الآخر مضايقات مختلفة وحملات دعائية شوهت سمعتها لدى المراهنين عليها لإثبات فشلها في التدبير والتسيير أو بعبارة أصح إفشالها بطرق مكشوفة اعتمدتها ما بات يعرف بالدول العميقة التي تريد طي موضوع تلك الأحزاب نهائيا وفق الأجندة الغربية التي لا تريد نموذج الإسلام السياسي في الوطن العربي على غرار النموذج التركي الذي لم يسلم  هو الآخر من التآمر عليه عن طريق انقلاب عسكري فاشل ، وعن طريق حرب اقتصادية ومالية يراد بها إفشاله ليفقد الأتراك الثقة فيه وفي التدين والدين، وقد راهنوا عليه بالرغم من فترة حكم علماني متسلط  لم يمنع حصول صحوة إسلامية .

وأخيرا نقول إن كل محاولة لصرف الشعوب العربية عن الإسلام سيكون مآلها الفشل لا محالة مهما بلغت درجة التآمر على دين الله عز وجل الذي لا سعادة ولا أمن ولا سلام  ولا عدالة في العالم إلا بسيادته .    

وسوم: العدد 830