يرفعون علم فلسطين ويقتلون اللاجئين الفلسطينيين

القوى الشيعية الموالية لإيران، التي رفعت علم فلسطين فوق السفارة البحرينية في بغداد، هي نفسها التي مارست أقسى أشكال الترهيب والقتل بحق اللاجئين الفلسطينيين في بغداد منذ احتلال العراق عام 2003.

فبعد احتلال العراق، أصبحت أحياء النازحين الفلسطينيين ببغداد، كالبلديات وحي الصحة وغيرها، عرضة لعمليات منظمة من قبل ميليشيات الصدر وكذلك بدر، إذ تعرضت مساكنهم لحملات مداهمة واعتقال، وسجن المئات منهم وتعرضوا للتعذيب في السجون بطرق بشعة، أدت لوفاة الكثير منهم، كما تم اختطاف واغتيال الكثير من الكوادر الفلسطينية المنتمية لحزب البعث، بالإضافة لأكاديميين، ومنهم أساتذة جامعيون عرفناهم خلال فترة الدراسة في العراق.

التهمة الوحيدة التي كانت موجهة لهم، أنهم «صداميون»، وموالون للنظام السابق، ولكن الأهم أن الجو الاجتماعي العراقي للقوى الشيعية المقربة من إيران، كان يعج بالكراهية للنازحين الفلسطينيين، والعرب عموما، يصفونهم حينا بالمرتزقة، وأحيانا أخرى بالمستفيدين، رغم أن النازحين الفلسطينيين في بغداد يعيشون منذ عقود في مساكن فقيرة تم استئجارها من الأمم المتحدة بعد عام 1948، ولم يتلقوا أي رواتب أو مخصصات مالية من الحكومة العراقية، خصوصا بعد فترة الحصار عام 1991، على عكس المشاع حينها بين قطاعات واسعة من المجتمع، خاصة المعارضين لنظام صدام، إذ كان يتم نشر إشاعات بأن صدام ينفق أموال العراقيين المحاصرين على النازحين الفلسطينيين، كما راجت يومها الأسطوانة نفسها عن أن «الفلسطينين باعوا أراضيهم لليهود»، التي نسمعها اليوم من بعض المجتمعات التي أخذت فيها الحكومات موقفا مؤيدا لإسرائيل، كالسعودية.

تمكن إيران ومعسكرها من خطف راية المواجهة مع إسرائيل، من العرب بسبب حالة الأنظمة العربية الكبرى المنحازة لواشنطن

اللافت أنه كان من السهولة خداع البعض، فمثلا كان يشار إلى بعض البعثيين الفلسطينيين الذين كانوا يتلقون رواتب وامتيازات مالية من حزب البعث، ويصورون بأنهم مثال على «الامتيازات المالية المقدمة للنازحين الفلسطينيين» بينما كان هؤلاء الفلسطينيون من الكوادر الحزبية، يتلقون مخصصات كبعثيين حالهم حال آلاف البعثيين العراقيين الذي كانوا يتلقون مخصصات مالية كأعضاء الفرق والشعب والفروع الحزبية، وكانت نسبة الفلسطينيين منهم لا تتعدى العشرات، مقارنة بعشرات الآلاف من الكادر الحزبي العراقي المتقدم، كأعضاء الفرق الحزبية صعودا .وعندما بدأ صدام حسين بتوزيع مبلغ عشرة آلاف دولار لأسر أبناء الشهداء الفلسطينيين في الضفة وغزة، في التسعينيات، فقد استثمر هذا الحدث من تلك الاحزاب لنشر الدعاية المعارضة للفلسطينيين، وكانت المفارقة بعد احتلال العراق، إذ قامت تلك الأحزاب نفسها، بسرقة ملايين الدولارات من أموال العراقيين ومنحها لقوى غير عراقية مرتبطة بإيران، بينما لا تتوفر الكهرباء والماء في مدن كالبصرة .

كل هذه الأسطوانات كانت تنتشر بدعم وترويج من القوى الموالية لإيران والمعارضة لصدام حينها، لسبب بسيط، وهو أن إيران، كانت وما زالت تريد احتكار الدفاع عن القضية الفلسطينية لأحزابها وقواها هي، وكانت تحاول تشويه ومحاربة كل من ينافسها على ذلك، خصوصا إذا كان من أعدائها، كصدام حسين، واليوم دفعت إيران شبابا لاقتحام السفارة البحرينية، ورفع راية فلسطين، وهم ربما أنفسهم الذين غرست فيهم ايران محاربة النازحين الفلسطينيين، وروجت أن اليهود اصحاب حق في أراض اشتروها بأموالهم .

المشهد يوحي بحقيقة مهمة أيضا، تتفاعل على الصعيد السياسي والاصطفافات في المنطقة، فبينما هرولت كبرى الدول العربية لمؤتمر المنامة، امتنعت ثلاث دول عن الحضور منهما، العراق ولبنان وهما خاضعتان لسيطرة قوى موالية لإيران، وهذا المشهد ينذر بخطر وتحول تاريخي لطالما حذرنا منه، وهو تمكن ايران ومعسكرها من خطف راية المواجهة مع إسرائيل من العرب، بسبب حالة الأنظمة العربية الكبرى المنحازة لواشنطن، وهذا إن استمر فسيؤدي لكسب إيران قطاعات واسعة من الجمهور العربي، خصوصا من الشعوب العربية البعيدة عن فهم حالة العراق وسوريا، حيث عانى العرب هناك من سياسات إيران الطائفية، ولن تنجح طهران بالظهور بمظهر المدافع عن حقوق العرب الفلسطينيين، بينما قتلت وهجرت آلاف العرب العراقيين والسوريين، وقبلهم، الفلسطينيين النازحين في بغداد .

وسوم: العدد 831