الولايات المتحدة تدير الظهر لسوتشي واللجنة الدستورية وفرنسة : النظام يماطل ويلعب على الوقت
في جلسة مجلس الأمن الشهرية التي انعقدت منذ يومين ، الخميس 24/ 6 / ، وفي الوقت الذي ظل فيه المندوب الروسي يكرر محكياته عن قصص النجاح الروسي في سورية ، ويستبشر ويبشر بقرب ولادة اللجنة الدستورية المرتقبة ، التي تم اختراقها ووأدها قبل أن تلد ؛ فاجأ المندوب الأمريكي جوناثان كوهين الجميع بأن أعلن بأن الوقت قد حان ل " غير بيدرسن " أن يتخلى عن مشروع تشكيل اللجنة الدستورية ، وإعادة كتابة الدستور كمدخل لعملية الإصلاح في سورية . وليمعن المندوب الأمريكي في النيل من نظيره الروسي بالقول : وماذا بعد 17 سبعة عشر شهرا على انطلاق سوتشي ؟! لا شيء ، وأنه لا بد من العودة 2254 ..
ثم ليكمل المندوب الفرنسي الكرة على الموقف الروسي فيقول : إن " النظام " يرفض أي فكرة للحل للوسط ، وأنه يستمر دائما في محاولات العرقلة ومناورات التسويف لأنه لا يؤمن بأي حل سياسي . وعلى المجلس أن يستخلص العبر من كل ذلك ، وأن يعيد التفكير بطرق أخرى أكثر جدوى ..
ما ذكره المندوبان الأمريكي والفرنسي عن حقيقة سوتشي ، وحقيقة سياسات النظام لم يكن بحاجة لعبقرية لاكتشافه !! ولو كان بشار الأسد والزمرة الداعمة له يقبلان بأي حل سياسي في سورية ، ولو على قاعدة التنازلات بحجم 10% من سياسات الاستبداد والفساد والظلم والعسف لما دخلت سورية في هذه المقتلة العظيمة . تنفيذ هذه المقتلة كان جزء من الدور الوظيفي للزمرة الأسدية . الدور الذي كلفت به رسميا من قبل أقطاب الشر العالمي ، والتي ما تزال معتمدة منهم من أجل حسن التنفيذ .
ولقد شجع هذه الزمرة على المضي في مشروع التقتيل والتهجير والتخريب أمران ؛ الأول هو الدعم الروسي والإيراني المباشر على المستويين الدبلوماسي والعسكري ، والثاني هو الدعم غير المباشر والمتمثل في إطلاق يد الروس والإيرانيين في الملف السوري حتى كانت هذه النتائج الكارثية التي نعيش .
ولو تأمل متأمل كم سقط من الضحايا الأبرياء خلال سبعة عشر شهرا هي عمر سوتشي ، وكم شرد من آمنين ، وكم هدم من مدارس ومستشفيات ومساجد وبيوت على رؤوس أصحابها ، لأدرك بلا شك تبعة المراهنة والمقامرة الأمريكية والأوربية على أستانا وسوتشي وعلى بشار الأسد وزمرته ؟!
ونتكلم وكأننا ما زلنا في أول الطريق . إن كل الذي نريده نحن السوريين السوريين في وطننا هو أن نكون في ظل " دولة " فقط " دولة " بالمعايير القانونية والحقوقية للفظ . كل الذي نريده أن يستقر الهرم السياسي والاجتماعي في سورية على قاعدته . وكل المحاولات لتجاوز هذه المطالب لن تنجح . لن تبقى سورية في يد "العصابة " أو " الزمرة " مهما قدمت هذه الزمرة من تنازلات أو خيانات للصهاينة وللروس وللإيرانيين ولغيرهم أيضا ..
ولن تحكم سورية بشريعة فرعون ، العلو في الأرض وجعل الناس شيعا واستضعاف الكثير منهم . ستسقط في سورية كل قوانين الامتيازات : النظرية والعملية . المسنونة والمعمول بها . وستسقط مؤامرة " حزب الطوائف " التي شرحها الأمين العام الثاني لحزب البعث العربي الاشتراكي منيف الرزاز في كتابه التجربة المرة .
نريد في سورية دولة بالمعايير القانونية والحقوقية تعبر عن مجتمع مدني موحد على قاعدة السواء الوطني . ولا نريد أكثر من ذلك . وحين يكون قرار الرأي العام السوري محميا بقانون دولة لن يخاف أحد على مستقبل سورية ولن يحزن .
الموقف الأمريكي والموقف الفرنسي في مجلس الأمن عشية 26/ 6 / كموقفين عابرين يستحقان التأييد والدعم والاحترام واِلإشادة ..ولكن أليس من حق أن نتساءل كسوريين عن حقيقة هذين الموقفين في سياقهما خلال عشر سنوات ؟! أليس من حق أن نتساءل إنه إذا كانت بعض الدول تطالب بإنها الوجود الإيراني والدور الإيراني في سورية فلماذا لا تطالب بالقدر نفسه بإنهاء تفرد الروس بالملف السوري وقد علمنا كما قال المندوب الفرنسي أنهما يلعبان معا على عامل الوقت ، ولا يؤمنان معا بأي حل سياسي ..؟!
إن ما يجري في الشمال السوري وعلى أرياف حماة وإدلب وحلب منذ مائة يوم هو محرقة إنسانية بكل معنى الكلمة . إن استمرار العالم في الإصغاء إلى هرطقات بوتين عن الإرهاب وعن الحل السياسي هو جريمة إضافية ..حتى الحروب في القانون الدولي والإنساني لها أخلاق ولها قوانين ..حتى الحرب على الإرهاب والإرهابيين، لو صدقوا أنهم يحاربون الإرهاب ، منضبطة بالأخلاق وبالقوانين ..
نحن لم نر منذ انطلاق هذه المعارك إرهابيين يقتلون ، كل الذي رأيناه أشلاء الأطفال والنساء ، وأفواج المهجرين من المدنيين العزل المستضعفين ..
وتبقى كلمتنا الأخيرة لممثلينا فيما يسمى الائتلاف الوطني ، والهيئة العليا للمفاوضات واللجنة الدستورية : إذا كان المندوب الفرنسي قد أدرك حقيقة لعبة بشار وزمرته ، لكسب مزيد من الوقت ، في الوقت الذي يحقق فيه المزيد من المكاسب والانتصارات ..فهل أدركتم ما أدرك الفرنسي ؟!!
أولم يأنِ لكم أن تملوا كما ملّ الفرنسي، وأن تيأسوا كما يئس ..؟!
وأن تطالبوا ببديل كما طالب هو والأمريكي معا.
وسوم: العدد 831