خطاب إعلامي مغرض يستغل ظرف محاكمة قتلة السائحتين الأجنبيتين لاستهداف دور أو مدارس تحفيظ القرآن الكريم

جريا على عادته نشر الموقع الذي يعتبره أصحابه الأول في البلاد مقالا تحت عنوان : " محاكمة مجرمي شمهروش تثير نقاش منابع التطرف في المملكة "

ومضمون هذا المقال  باختصار أن دفاع السائحتين الضحيتين طالب المحكمة باستدعاء السلفي المدعو المغراوي ومساءلته، لأن القتلة تلقوا تعليما بدور القرآن التابعة له ، فضلا عن استدعاء وزير العدل السابق الرميد بسبب نسبة ما اعتبر تحريضا  منه على الكراهية سنة 2012 حيث قال حسب المقال في حضرة المغراوي أن مراكش يؤمها السياح لمعصية الله . وذكر المقال أن المحكمة رفضت استدعاء كلا من المغراوي والرميد .

وورد في المقال أن المغراوي يتبنى الفكر الوهابي ، وكان يتلقى دعما ماليا من جهات رسمية في المملكة العربية السعودية ، وأن تياره السلفي تغلغل في المغرب في سياق حسابات جيوسياسية لمواجهة الشيوعية ، وأن السلطات المغربية وظفته لمواجهة جماعة العدل والإحسان ، ومواجهة التيار اليساري ،وهو قول نسبه صاحب المقال إلى المدعو سليم احميمنات  وفيه اتهام صريح للسلطات .

 وورد في المقال أيضا أن المدعو رفيقي  السلفي سابقا والذي أدين في أحداث 16 ماي 2003  وحكم عليه بالسجن 30 سنة ثم أخلي سبيله سنة 2012  بعد تراجعه عن فكره السلفي يقول بأن سلفية المغراوي المحسوبة على الاعتدال والسلفية الجهادية المتطرفة وإن اختلفتا في موقفيهما من الأنظمة حيث لا تقول سلفية المغراوي بالخروج عنها ، في حين تكفرها السلفية الجهادية ، فإن بينهما تقاطع لأنهما في نظره تستندان إلى نفس المتون الدينية التحريضية والمتعلقة بالبراء والولاء ، وهي متون حسب المقال تحض على الكراهية .

ويشير المقال إلى أن دور القرآن التابعة للمغراوي أغلقت سنة 2010  ثم فتحت سنة 2011 حين أيد المغراوي الدستور الجديد الذي قاطعته حركة 20 فبراير ثم أغلقت مرة أخرى لتفتح من جديد سنة 2016 ، ويورد صاحب المقال  رأيا ينسبه لاحميمنات مفاده أن جمعية المغراوي يلف وضعها القانوني غموض.

هذا ما ورد باختصار في هذا المقال ، وما يعنينا منه هو محاولة إقحام دور القرآن أو مدارسه في  الإجرام، لمجرد أن من قتلوا السائحتين مروا ببعض تلك الدور أو المدارس.

ولو كان الأمر يتعلق بدور أو مدارس  قرآنية بعينها لما دعا ذلك إلى التعرض لموضوع هذا المقال، ولكن ما يخشى هو أن توضع جميع دور القرآن أو مدارسه في ربوع المملكة تحت نفس التصنيف ، وتوصف بأنها تشيع فكر الكراهية والعنف والإرهاب ، وهو وصف تتبناه تيارات معادية لكل التوجهات الإسلامية على اختلافها ،لأنها تنطلق من قناعة خاصة بها أو بالأحرى تصر على أن مرجعيتها واحدة فيما يتعلق بما يسمى التحريض على الكراهية والعنف والإرهاب .

ومع أن العلماء المغاربة الذين يشهد لهم بالعلم وبرسوخ القدم فيه إلى جانب غيرهم في العالم الإسلامي  يميزون بين السلفية باعتبار نسبتها إلى سلف الأمة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وزمن الخلافة الراشدة ، وزمن التابعين ، وبين الانتساب إلى  هذا السلف من طرف فئات  معينة في العصرالحديث ، وهي فئات تحاول التماس مشروعيتها من خلال هذا الانتساب الذي لا يقرها عليه علماء مشهود لهم بالعلم والتجرد من كل الانتماءات الجماعاتية . ومعلوم أن كثيرا من هؤلاء العلماء يتعرضون للنقد الشديد والعنيف من طرف المنتسبين إلى السلف وهم  في حقيقة أمرهم على أحوال مخالفة لأحوال السلف ، وبدون علم كعلم السلف ، فضلا عن تشبثهم بقشور من قبيل إرخاء اللحى ، وتقصير العباءات ، وتعمد الفظاظة  في القول والنظر العابس إلى من ليس على نهجهم ، وتوزيع تهم الفسق والكفر على كل من لا يرى  رأيهم ، ولا يلبس زيهم ولا يتصرف تصرفهم في معاملاتهم الفظة .

وكم من عالم راسخ القدم في العلم يكفره أو يفسقه هؤلاء لمجرد أنه لا يرخي لحيته  على طريقتهم ، ولا يرتدي زيهم ، ولا يوافقهم في مقولاتهم التفسيقية والتكفيرية أو غيرها مما يعتبرونها حقائق لا يأتيها باطل من بين يديها ولا  من خلفها بل ينزلونها منزلة الوحي .

ولئن أسس  مثل هؤلاء دورا أو مدارس للقرآن الكريم بخلفيتهم الفكرية إن صح أن نسميها فكرية ،فإن ذلك لا يعني أن دور القرآن الكريم أو مدارسه المنتشرة في كل ربوع الوطن وراءها نفس الخلفية بل هي دور ومدارس يحفظ فيها كتاب الله عز وجل الذي تعهد سبحانه وتعالى  بحفظه ليتلى من صدور الحفاظ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ولا يمكن بحال من الأحوال وصف كل من يرتاد هذه المدارس بأنه يتلقى فيها تكوينا على خطاب الكراهية والعنف والإرهاب .

وواضح أن هذا المقال وأمثاله من المقالات التي تتناول موضوع دور القرآن أو مدارسه تقف وراءها جهات مشبوهة تستهدف الإسلام من خلال استهداف القرآن الكريم الذي جعله الله عز وجل نورا يهدي إلى الرشد وإلى صراط مستقيم .

وواضح أن هذا المقال وما شابهه يدفع في اتجاه  تجريم دور أو مدارس القرآن وتحريض عليها عموما  لقطع صلة المغاربة بكتاب الله عز وجل وهو ما لا يمكن أن يحدث خصوصا بعدما أقبل المغاربة ذكورا وإناثا على حفظ هذا الكتاب بشكل غير مسبوق خلال  العشريتين الماضيتين ، وقد أصبح حفاظه وقراؤه  في طليعة الحفاظ والقراء في العالم الإسلامي ، وهم يحصدون العديد من الجوائز العالمية في حفظه وتلاوته ، فضلا عن كون دور أو مدارس القرآن الكريم صارت مقصد كل الجاليات المسلمة في العالم .

وعلى من يريد إثارة موضوع الجريمة المرتكبة في حق السائحتين أن يبحث البحث الجاد والموضوعي  عن الأسباب الحقيقية لهذه الجريمة دون إقحام دور أو مدارس حفظ القرآن الكريم ، خصوصا وأن الإعلام قد كشف عن علاقة بعض مرتكبي العمليات الإرهابية في دول أوربية بحياة  العربدة والانحراف وتعاطي المخدرات بيعا وتناولا . وليس من الموضوعية في شيء أن ينسب جرم قتلة إلى مجرد ارتيادهم دورالقرآن دون البحث عن أماكن أخرى كانوا يرتادونها أو دون النظر في أوضاعهم الاجتماعية المشهود لها بالسوء فقرا وحرمانا وجهلا وأمية . ولا يمكن بحال من الأحوال أن يحسب إجرام المجرمين على كلام الله عز وجل المنزه عن كل طعن أو تشكيك في ما يدعو إليه من سمو الأخلاق ورفعتها . والمعروف عن حفاظ كتاب الله عز وجل التخلق بأخلاقه التي يستحيل معها العنف والإجرام والإرهاب .

وما لا يجب التغاضي عنه أو تجاهله هو أن البعد عن تعاليم القرآن الكريم هو السبب الرئيس في انتشار الانحرافات على اختلاف أنوعها والتي في أحضانها ينشأ ويترعرع العنف والإجرام والإرهاب . وما شاهد الناس أبدا حفاظا لكتاب الله يشهرون سيوفا  على السابلة وفي المقابل  شاهدوا ذلك ممن يتعاطون المخدرات والمهلوسات .

وسوم: العدد 833