الكويت إلى أين !

لقد فاجئنا هذا التحول الحاد والصارخ والمفاجئ في سياسة بلد له مواقفه المشرفة مثل الكويت، فالأمر ليس مجرد تسليم أبرياء أو متهمين إلى قضاةِ منظومةٍ فاسدة قد أكلهم العفن ونهشهم الدود، فلتكن هذه المجموعة المزمع تسليمها متهمين وليسوا بأبرياء، فمن يضمن عدالة أحكام تصدر عن منظومة فساد اتفق القاصي والداني على فسادهم، فما بالنا وكل الأحكام الصادرة ضد المعارضة أحكام فاسدة مزورة، باطلةُ النفاذ، مسيسة الأغراض والأهداف لصالح الطغمة الحاكمة، فكلُّ المعارضة في ميزان قضائهم الفاسد وأحكامهم الجائرة إرهاب، لا يفرقون بين إسلامي وعلماني، كل من صارحهم القول أنه يجب عليهم إقامة العدل وتنحية الظلم وقفوا منه موقف العداء، وناصبوه الحرب وأشعلوا فيه النيران، وأدخلوه السجون وأذاقوا أهله وذويه صنوف الأذى والعذاب، وأنزلوا عليه ما وسعهم الجهد من ألوان البلاء، ولم يكتفوا بذلك حتى نصبوا أبواقهم وأجهزة أعلامهم للتشهير ببقيتهم وتشويه صورتهم بكل وسيلة مهما بلغت نذالتها واستعرت حدتها، فلا يمنعهم دين ولا خلق، ولا يحول دون عدائهم مبدأ ولا إنسانية.

دعونا من خطاب الإنسانية التي اتفقت على خلو النظام المصري المعاصر منه، ولنرمِ بعرض الحائط نداءات الآخرة التي تصرخ في ضميرنا ووجداننا، تستنهض ما بقي من إيمان وإنسان فينا؛ أن المشارك في قتل إنسان أو تسليمه لجهة غير آمنة شريك له في خطئه، له نصيبه من وزره وأثمه.

واسمعوا صوت العقل وتعالوا إلى ضرورة حفظ هيبة بلد مثل الكويت؛ بلد له مواقفه الثابتة التي حفظت للعروبة كرامتها، وللدين قداسته، ولفلسطين وجودها، وبعثت الأمل في نفوس الأمة العربية بوعي حكومته ورقي شعبه وعدل حكامه.

ما الذي حصل ليتحول الكويت عن هذا النهج الراقي الذي عوّدنا عليه في تعامله مع القضايا العربية والإسلامية؟.

إن هؤلاء البائسين المزمع تسليمهم إلى أيدي اتفق الجميع على غدرهم وظلمهم وتجافيهم عن الحق والعدل، بل وإغراقهم في الفساد والظلم لهو شيء مشين ومهين، ومع ذلك لو كان الأمر متعلقا بهذه المجموعة لكفى به إثماً كبيرا وزورا مبيناً، فما بالنا والتاريخ يعيد نفسه في كل مرحلة شيطانية من مراحل التاريخ يبزغ فيها نجم إبليس ضاربا بجرانه في كل ناحية قاصدا بخيله ورجله صدر الإسلام وعقله وأطرافه وسواعده، ضاربا بسهام مكره ورماح جنده كل لسان ذاكر، وكلّ قامة منتصبة للصلاة، مصوبا حريقه نحو المصاحف والمساجد، مُخليا كل طريق للفساد، ناشراً في كل ناحية زعيقه ونعيقه ووسائل إعلامه في النيل من كل قلب بقي فيه شيء لله.

يا سادة ليس مقصود القوم مجموعة مسكينة هم يعلمون كما تعلمون براءة ساحتهم، إن المقصود تصويب ضربات متتابعة ضد كل ما هو مسلم، ركلاً بالقدم وصفعاً باليد وبصقاً بالنخامةِ وسباً باللسان.

إنه سلسال من الدم والقهر. والذل والهوان لبثّ مزيد من التخويف والترهيب ضد الإسلام، لرسم الصورة المخيفة التي تستأصل شأفة الدين، وتحول حتى دون مجرد التعرف عليه، أو مجرد الاقتراب منه، لقد صار الإسلام وصمة عارٍ، والمسلمون أرهابيين، وأصبح وأمسى شرفكم على المحك تحت مقصلة إبليس ورجاله.

معركة بدأها الشرُّ وسوف تنقلب عليه فإن الله ناصرٌ جندَه محققٌ وعدَه، فكانوا يا أهل الكويت يرحمكم الله مع صادق الوعد واحفظوا للعرب مرؤتهم وللدين عزته وللشعب الكويت تاريخ نضاله وصفحات مجده.

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173). سورة الصافات

_______________-

د. صادق مهيوب: دكتوراة / العلوم الإنسانية.