شلاّل الدم : بين السفاهة ، والحماقة ، والحكمة !
شاب سفيه ، من قبيلة ، أجبر فتاة ، من قبيلة ثانية ، على نزع بعض ثيابها ، دون أن تظهر عورتها ، ودون أن يمسّها بسوء !
وذهبت إلى أهلها فأخبرتهم ، فثارت ثائرتهم ، وحملوا أسلحتهم ، وهجموا على الشابّ وأهله ، فقتلوا منهم مَن قتلوا ، وجرحوا مَن جرحوا ؛ بداعي ردّ الاعتداء على الشرف !
وبعد أيام قليلة ، شنّت قبيلة الشابّ ، المعتدى عليها ، هجوماً على قبيلة الفتاة ؛ بدافع الأخذ بالثأر، للرجال الذين قتلتهم قبيلة الفتاة ، فوقع بعض القتلى والجرحى ، من الفريقين !
ولم يطل الأمر، حتى شنّت قبيلة الفتاة ، هجوماً على قبيلة الشابّ ، فأوقعت فيه بعض القتلى والجرحى، فشنّت قبيلة الشابّ ، هجوماً، بعد فترة وجيزة ، وقتلت من قبيلة الفتاة ، بعض الرجال، وجرحت بعضهم !
واستمرّ شلاّل الدم ، بالتدفّق والجرَيان ، بين القبيلتين !
ولم تكن الشرطة ، غائبة عن المشهد ، لكنها لم تستطع ، منع شلاّل الدم ، من التدفّق والجريان! كلّ ما استطاعته ، هو حبس بعض رجال القبيلتين، المتّهمين بالقتال، أو بقتل، بعض الرجال، أو جرحهم !
وكان الجرحى يتنّقلون ، بين المشافي لمعالجتهم ، والسجون لمعاقبتهم !
ونَصح بعضُ العقلاء ، كبارَ رجال القبيلتين ، بالذهاب إلى قاض قبَلي ، ليحكم بينهم ؛ لإيقاف شلاّل الدم ! فسمعوا النصيحة ، وذهبوا إلى أحد زعماء القبائل المجاورة ، ليقضي بينهم! وحين سمع منهم القصّة ، قال ، بجدّية كبيرة ، وأسف بالغ : إن قضيّتكم هذه ، قضيّة كبيرة ؛ إنها قضيّة شرف ، وأنا لا أستطيع ، أن أقضي فيها!
خرج الرجال من عنده ، وهم متحفّزون للقتال! فما لبثت قبيلة الفتاة ، أن شنّت هجوماً ، على قبيلة الشابّ ، فأوقعت فيها بعض القتلى والجرحى ؛ ممّا دفع قبيلة الشابّ ، بعد فترة وجيزة ، إلى شنّ هجوم ، قتلت فيه وجرحت ، بعض الأفراد ، من قبيلة الفتاة !
ونُصحوا بالتقاضي ، عند قاض آخر، فما كان منه ، بعد سماع القصّة ، إلاّ أن وجّه إليهم، توبيخاً شديداً ، منصبّاً على رجال القبيلتين ، معاً ، قائلاً لهم ، بحزم وصرامة :
ويلَكم ! ألا تخافون الله ؟ ألا تعلمون أن قتل النفس ، جريمة عظيمة ، عقابها ، عند الله ، قاس أليم؟ فأين تذهبون من عذاب الله ، يوم القيامة ؟ ثمّ وجّه كلامه ، إلى أهل الفتاة ، قائلاً: إنكم تدّعون ، أن القضيّة قضيّة شرف ، فهل مسّ الشابّ السفيه ، ابنتكم ، بسوء؟ هل أمرَها ، بكشف عورتها؟ أما كان يكفي ، أن يصفعه أحدكم ، على وجهه.. أو يشكوه إلى أبيه ، كي يصفعه ، جزاء له ، على سفاهته، تجاه ابنتكم؟ ثمّ هل الشرف، الذي تدّعونه ، محصور في ثياب الفتاة؟ أليس ما يفعله بعضكم ببعض ، هو قلّة شرف؟ أوليس جرّكم مع نسائكم ، إلى المخافر، فيه ثَلم للشرف ، الذي تدّعونه ؟
وأطال القاضي اللوم والتوبيخ والتعنيف ، لرجال القبيلتين ، حتى شعروا ، جميعاً ، أنهم صغار: في نظر أنفسهم ، ونظر القاضي ، ونظر الحاضرين ! فخجلوا ممّا هم فيه ، من العبث الدامي، وسألوا القاضي عمّا يفعلون ، فأجابهم ، ببساطة : تكفّون شرّكم ، بعضكم عن بعض، وتدفعون ديات القتلى ، وتعوّضون على الجرحى، الذين دفعوا أجور المشافي، وتتصالحون، الآن، هنا، أمامي ! فليقم كلّ منكم ، ويقبّل الآخرين ، من أبناء القبيلة الثانية !
ففعلوا ماقال ، وخرجوا أصحاباً ! وفي قريتهم ، دفعوا ديات القتلى ، وتعويضات الجرحى ، وذهبوا إلى المخفر، ليتنازل كلّ منهم، عن حقوقه، عند الطرف الآخر! وكلّ منهم يفكّر، بعُمق، حول الفرق : بين الحماقة والحكمة ، في معالجة السفاهة وآثارها!
وسوم: العدد 836