مستقبل الحشد الشعبي بعد الأمر الديواني لرئيس الوزراء العراقي
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
صدر يوم الاحد الماضي الموافق 30/6/ 2019 أمر ديواني عن مكتب رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد عادل عبد المهدي، يشير بموجبه إلى دمج هيئة الحشد الشعبي ضمن المؤسسة الأمنية، ووضع قيادات الفصائل المنضوية تحت مظلة الحشد أمام أحد الخيارين، التفرغ للسياسة والتخلي عن السلاح أو الاندماج ضمن القوات الأمنية بقيادة القائد العام للقوات المسلحة. وأبرز ما جاء في الأمر:
• دمج جميع فصائل الحشد الشعبي ضمن المؤسسة الأمنية، ووضعها تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة وأن يكون مسؤولا عليها رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي يعينه القائد العام.
• التخلي عن جميع المسميات التي عملت بها فصائل الحشد في معارك التحرير، وتستبدل بتسميات عسكرية (فرقة، لواء، فوج، إلخ)، كما يحمل أفرادها الرتب العسكرية المعمول بها في القوات المسلحة.
• تقطع هذه الوحدات أفرادا وتشكيلات أي ارتباط سياسي أو آمري من التنظيمات السابقة.
• تغلق جميع المقرات التي تحمل اسم فصيل من فصائل الحشد الشعبي داخل المدن وخارجها.
• تستطيع الفصائل التي لا تلتحق بالقوات المسلحة أن تتحول إلى تنظيمات سياسية خاضعة لقانون الأحزاب، ويمنع حملها للسلاح إلى بإجازة لمقتضيات حماية مقراتها المدنية.
• تغلق جميع المكاتب الاقتصادية أو السيطرات أو التواجدات أو المصالح المؤسسة خارج الإطار الجديد للحشد الشعبي.
على الرغم من الأهمية الكبيرة التي يحملها الأمر الديواني في معالجة مفصل مهم من مفاصل الدولة العراقية، إلا أن هناك اشكاليات كبيرة امام السيد رئيس الوزراء في تطبيق مضامين هذا الأمر، لاسيما وأن السيد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي أصدر أمر ديواني مشابه لما أصدره رئيس الوزراء الحالي، لكن دون أي تطبيق يذكر. فهل يتمكن السيد عادل عبد المهدي من تطبيق ما عجز عنه سلفه أم سيتكرر المشهد مرة أخرى؟ وهل ستكون جميع مضامين الأمر قابلة للتطبيق، لاسيما تلك الفقرات المتعلقة بغلق المكاتب الاقتصادية وفك الارتباط السياسي والايديولوجي للفصائل المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي؟، ومن هم الذين سيمنحون الرتب العسكرية ويديرون المفاصل العسكرية؟، وهل من الممكن أن تتخلى زعامات الفصائل المنتمية حاليا للهيئة للتخلي عن تلك الامتيازات وتسليم أفرادها إلى ضباط المؤسسة العسكرية؟
بالتأكيد عملية دمج قوات الحشد الشعبي ضمن مفاصل المؤسسة العسكرية العراقية، واخضاع فصائله المسلحة إلى قوانين المؤسسة العسكرية صعبة جداً، لاسيما وأن اغلب فصائل الحشد لها ارتباط سياسي وانتماء ايديولوجي إقليمي، إلا أنها خطوة كبيرة جداً باتجاه بناء الدولة والقضاء على المظاهر المسلحة والانفلات الأمني الذي تعانيه الدولة العراقية منذ عام 2003.
إن بقاء الحشد الشعبي بهيكليته الحالية كما هي عليه الآن، يعد من المثالب الكبيرة التي توّجه إلى الحكومة العراقية والدولة العراقية بشكل عام من قبل المجتمع الدولي، لاسيما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فضلاً عن المحيط العربي. فالدولة هي السلطة الوحيدة التي تحتكر أجهزة العنف أو السلطة الوحيدة التي لها الحق في ممارسة العنف المشروع، وأن وجود الحشد الشعبي بهيكليته الحالية يتناقض تماماً مع سلطة الدولة أو مع تعاريف علماء السياسة للدولة ومع وجود الدولة ككيان سياسي ولاعب دولي.
هناك من يرى بأن خطوة السيد رئيس الوزراء الحالي بإعادة دمج وهيكلة الحشد الشعبي مرتبطة بالصراع الأمريكي – الإيراني، والمخاوف التي تثيرها بعض الفصائل للحكومة العراقية من خلال استهداف بعض الشركات الأمريكية والأمنية وبعض السفارات والقنصليات الموجودة على الأراضي العراقية، وهناك من يرى بانها خطوة عاكسة لضغوط المرجعية الدينية والمزاج السياسي التوافقي.
بغض النظر عن ذلك، فقد تعددت الرؤى والتفسيرات المتعلقة بتفسير الأمر الديواني، فبعض القانونيين رأوه بانه أمر دستوري ينطبق مع أحكام المادة (170) من الدستور العراقي، أما الآراء السياسية فقد تباينت بين مؤيد ومعارض، فهناك من يرى في الأمر بانه مخالفة لقانون هيئة الحشد الشعبي الذي أقر في البرلمان العراقي، اذ يرون فيه "الأمر الديواني" بأن من غير الممكن تذويب قوات الحشد الشعبي وهيكلتها داخل صفوف المؤسسة العسكرية العراقية؛ لكون الأمر لم يأتي بجديد ومختلف عما هو في قانون هيئة الحشد الشعبي، فضلاً عن ذلك، فهو يعطي تفسير بعجز الحكومة العراقية عن اخضاع قوات الحشد الشعبي لسلطة الدولة بشكل كامل بعيداً عن الضغوط الداخلية والخارجية أو بعيداً عن المعتقدات السياسية والايديولوجية التي تتمسك بها بعض فصائل الحشد الشعبي.
بموازاة ذلك، لو أخذنا مقارنة بسيطة بين ردود الافعال السياسية الشيعية المتعلقة بالأمر الديواني الذي اصدره السيد العبادي في شهر شباط من العام الماضي وبين ردود الفعل السياسية المتعلقة بالأمر الديواني الذي أصدره السيد عادل عبد المهدي، نستشف بأن هناك فرق كبير في الحالتين، ففي الوقت الذي أحدث أمر العبادي شرخ في المواقف السياسية، لاسيما في المواقف الشيعية، نرى بأن الأمر مختلف تماماً مع الأمر الديواني الذي أصدره السيد رئيس الوزراء الحالي.
وهذا ما يخشاه البعض، بأن تكون طريقة اصدار الأمر الديواني، بطريقة توافقية بين المرجعيات السياسية والايديولوجية لفصائل الحشد الشعبي والسيد رئيس الوزراء؛ خشية من استمرار حالة التصعيد العسكري بين الولايات المتحدة وإيران، ومخاوف الدخول في حرب بين الجانبين. فربما يكون الأمر قد جاء لحماية فصائل الحشد الشعبي وتغطيته تحت شرعية الحكومة العراقية بإجراءات قانونية، كتلك التي أشار إليها الأمر الديواني.
خلاصة الأمر ومع صعوبة تطبيق بعض مضامين الأمر الديواني، لكن على ما يبدو بأن مرجعيات الحشد الشعبي (السياسية والأيدلوجية) متوافقة ومرحبة بخطوة السيد رئيس الوزراء الحالي بدمج الحشد الشعبي ضمن هياكل المؤسسة العسكرية العراقية، ان لم يكن الأمر جاء بالتوافق بين رئيس الوزراء ومرجعيات الحشد "كما أشرنا في أعلاه". وبغض النظر عن التفسيرات والتحليلات الخاصة بتفسير الأمر الديواني، هناك شبه اجماع بأن عملية تقنين الحشد الشعبي ودمجه داخل المؤسسة العسكرية، خطوة صحيحة وشجاعة باتجاه بناء الدولة العراقية، وتصب في صالح الحكومة العراقية الحالية ومستقبل بناء الدولة العراقية بشكل عام.
وعليه، نرى بأن مستقبل الحشد الشعبي في ظل هذه التعليمات آمن جداً، فمن الطبيعي أن يكون الحشد الشعبي متوافقا مع تطلعات كل الحكومات العراقية القادمة، وهذا التوافق لم يأتي بالطريقة التي اعتدنا عليها أو كما هي عليه الآن، فطالما كان الحشد في مشاكسه دائمة مع الحكومات العراقية، طالما تكون حقوقه غير أمنه، وبالتالي فإن من الأفضل للحشد "كمؤسسة وكأفراد" بأن يكون ضمن المؤسسة العسكرية العراقية وخاضع بشكل كامل لسلطة الحكومة العراقية.
لكن على الرغم من ذلك، هناك مخاوف تتعلق بخروج بعض الفصائل التي لها دور (إقليمي أو عقائدي) من وقوات الحشد الشعبي، وتعلن عدم التزامها بمضامين الأمر الديواني، لاسيما فيما يتعلق بنزع السلاح وغلق المكاتب الاقتصادية أو غيرها من الفقرات، وهذا ربما يكون ذريعة للفصائل الأخرى في حمل السلاح. وبالتالي ربما نكون امام مشهد آخر من مشاهد انتشار مظاهر السلاح خارج إطار الدولة والسلطات الأمنية. لكن يبقى السؤال الأهم، هل يستطيع السيد رئيس الوزراء أن يفرض أمره الديواني خلال الفترة التي حددها في الأمر لغاية 31/7، أما سيبقى الأمر حبراً على ورق؟
وسوم: العدد 838