الحرب بالوكالة تستعر في المنطقة، كيف ستكون شرارة الحرب بين أميركا وإيران؟
إذا كنت ممّن يعيشون في إحدى الدول العربية التي تخضع لنفوذ إيران، فعليك أن تقلق جداً عندما يصرّح المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون أنّهم لا يريدون حرباً ولا يسعون إليها لأنّ ذلك يعني أمراً واحداً بالتحديد وهو أنّ الحرب بالوكالة بين الطرفين ستستعر، وأعتقد أنّ القارئ بات يعلم تماماً أين ستدور رحاها غالباً. نعم في البلدان العربية الخاضعة لإيران والتي تعتبر بمثابة ساحة مثالية للقيام بمثل هذا الأمر.
مؤخراً بدا أنّ سياسة حافة الهاوية التي يتّبعها النظام الإيراني هي الأمل الوحيد في نجاته من كمّاشة العقوبات الأمريكية المحكمة، وقد انعكس ذلك بشكل واضح تصعيداً في الخليج العربي استهدف الحرس الثوري من خلاله عدداً من ناقلات النفط، تبعه إسقاط طهران لطائرة استطلاع أمريكية وقرصنة سفينة بريطانية. وفي الوقت الذي كان النظام الإيراني يتفاخر فيه بابتلاع واشنطن لهذه الضربات وعدم قدرتها على الرد مع استعداد أذرع إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن لخوض معركة بالنيابة عنها، كانت تل أبيب تشن أوسع ضربات عسكرية من الناحية الجغرافية على الأهداف الإيرانية في هذه البلدان.
في الأيام القليلة الماضية فقط، قامت إسرائيل بقصف مجمّع تابع للحرس الثوري الإيراني في عقربا السورية وتدميره بشكل كامل. وذكرت تل أبيب أنّها أفشلت بذلك عملية هجومية خطّط لها الحرس بالتعاون مع الميليشيات الشيعية تتضمن إطلاق طائرات مسيّرة هجومية باتجاه إسرائيل.
تبع ذلك ادّعاءات بتنفيذ تل أبيب عملية في بيروت بواسطة طائرتين مسيّرتين، وقصف إسرائيلي لهدف متحرّك في مدينة القائم على الحدود العراقية - السورية أدّى إلى مقتل عنصرين من ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية أحدهما في رتبة قيادية، وأخيراً قصف استهدف موقعاً للجبهة الشعبية-القيادة العامة في بلدة قوسايا في البقاع الأوسط اللبناني.
حتى الأن، اقتصر رد إيران وميليشياتها على جملة من التصريحات التي فهم منها عدم القبول بالسكوت على مثل هذه الضربات. لكنّ أياّ من هذه التصريحات لم يشر إلى أنّ إيران ستتولى الرد على الضربات الإسرائيلية، ما يعني أنّ المهمة ستوكل كما جرت العادة إلى أذرعها المنتشرة في لبنان وسوريا والعراق، وهو ما من شأنه أن يحفّز إسرائيل مجدداً على استهداف هذه البلدان سيما مع إصرار النظام الإيراني على أن تكون المناطق الواقعة تحت نفوذه بمثابة ساحة لتصفية حسابات والتوصّل إلى تسويات أو تفاهمات مع الغرب بشأن الضغوط الأمريكية عليه.
وبالرغم من أنّه لا يوجد أدنى شك بقيام إسرائيل بتنفيذ العمليات العسكرية ضد المواقع الإيرانية في سوريا، تحوم الشكوك حول مدى مسؤوليتها عن العمليات التي تتم في العمق العراقي وعلى الحدود العراقية مع سوريا.
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين توحي بأنّ تل أبيب هي من يقوم بهذه العمليات. وسائل الإعلام تتّجه مؤخراً إلى تبنّي هذه الرواية، لكن لا يوجد جواب قاطع حول هذا الأمر وهو ما يعني أنّه من الممكن أن تكون واشنطن هي من يقف في حقيقة الأمر خلف هذه الهجمات سواءً بشكل مباشر أو بالوكالة هي الأخرى عبر إسرائيل.
أيّاً يكن الأمر، فمن الواضح أنّ تأكيد الأطراف الأساسية لهذه اللعبة على عدم وجود نيّة لديهم لخوض حرب، يجعل من الحرب بالوكالة هي القاعدة الأساسية في المنطقة. هذا يعني أن الدول العربية لن تخرج من كونها مجرّد ساحة لتصفية حسابات في لعبة الآخرين الكبرى. ما يخفف من وطأة مثل هذا الاستنتاج مؤخراً هو استنزاف الأذرع الإيرانية لهذه الساحات بحيث أصبحت الأخيرة غير قادرة على الأغلب على استيعاب دور هذه الأذرع نتيجة التكاليف الباهظة التي أدّت وتؤدي إلى تدمير هذه البلدان وهو الأمر الذي لا يزال يكبح إلى حد ما أذرع إيران ويقيد حركتها خوفاً من أن تصبح هذه الساحات غير ذات جدوى أو أن ينقلب الناس فيها على أذرع إيران في نهاية المطاف.
لن يمنع ذلك بطبيعة الحال إيران من الاستمرار في سياسة حافة الهاوية التي تتّبعها، لكن إذا لم تنجح في كسر طوق العقوبات الذي يضيّق الخناق على عنقها، فعلى الأرجح أنّ وتيرة الحرب بالوكالة الجارية في المنطقة ستتسارع كمّاً ونوعاً، وهو ما يثير معه تساؤلات عن مدى جدوى قيام أذرع إيران في العالم العربي بالتضحية بالبلدان والشعوب العربية في سبيل الدفاع عن مصالح النظام الإيراني بمعارك من هذا النوع لا ناقة لنا فيها ولا جمل!
وسوم: العدد 839