وقفة مع بعض المصطلحات التي تضفي عليها أنظمة سياسية في بعض البلاد العربية دلالة خاصة بها للتمويه على استبدادها
كشف كلمات ألقاها ساسة تطارهم تهم الاستبداد السياسي في بعض البلاد العربية من مقر الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة عن استراتيجيتهم المكشوفة من خلال إضفاء ما يريدونه من دلالات على بعض المصطلحات لتبرير استبدادهم ولتثبيت وجودهم في السلطة وضمان استمرارهم فيها .
ولقد سبق أن أثرنا في مقال سابق كيف اختلق متزعم الانقضاض على السلطة في الجزائر الفريق أحمد قايد صالح عقب خروج الشعب الجزائري في مظاهرات مستمرة لأسابيع للمطالبة برحيل رموز النظام الفاسد ،وهو واحد منهم ذريعة استخدام مصطلح تآمر أو مؤامرة، والكلمة لغة تعني محاولة الإيقاع بالغير أو خيانة العهد ، واصطلاحا تعني التخطيط بسرية مع جهة معادية لارتكاب عمل غير شرعي أو لتحقيق غرض يبدو قانونيا بشكل غير قانوني أو باستغلال وركوب القانون .
واستخدام الفريق صالح هذا المصطلح هو الذريعة الوحيدة لضمان تثبيت وجوده في السلطة وضمان استمراريته فيها ،لأنه لا سبيل للإفلات مما يطالب به الشعب في ثورته السلمية سوى استغلال هذا المصطلح للتشكيك في مصداقية تلك الثورة التي جاءت شعبية وعفوية، وتبرأت صراحة منذ انطلاقها من وصاية أي تنظيم سياسي أو حزبي ،وكأنها كانت على علم بلجوء الفريق المنقض على السلطة إلى ذريعة يستعملها كخشبة نجاة تنجيه من أمواج بحر ثورة الشعب العاتية.
و معلوم أن مصطلح تآمر أو مؤامرة هو الذريعة التي يضطر إليها كل من يسقط قناعه وينكشف أمره من الساسة المستبدين .
وعلى غرار لجوء الفريق المنقض على السلطة في انقلاب غير مصرح به بشكل مباشر إلى توظيف مصطلح تآمر أو مؤامرة ، لجأ متزعم الانقلاب العسكري الدموي في مصر عبد الفتاح السيسي إلى استغلال مصطلح إسلام سياسي لتبرير اغتصابه للسلطة بالانقلاب على أول مسار ديمقراطي في تاريخ مصر بعد عهود من حكم العسكر المستبد ، وعلى شرعية الرئيس الهالك محمد مرسي المنتخب ديمقراطيا في انتخابات لم تطعن أية جهة في شفافيتها .
ولقد صارت عبارة " إسلام سياسي أو إسلام سياسوي " مصطلحا متداولا تقصد به جماعات أوحركات أو أحزاب سياسية تعتبر الإسلام صالحا ليكون نظاما سياسيا للحكم ، وأنه ليس عبارة عن طقوس تعبدية بل هو أيضا نظام سياسي واقتصادي واجتماعي وقانوني صالح لبناء مؤسسات دولة .
ولقد تزامن إلقاء متزعم الانقلاب العسكري الدموي في مصر كلمته في الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة مع خروج الشعب المصري الجمعة الماضية في مظاهرات للمطالبة برحيله ،لهذا ركز في كلمته على استعمال مصطلح " إسلام سياسي " كذريعة لتبرير سياسته المستبدة ، ولطمس معالم اغتصابه للسلطة في مصر ، وللتمويه على ما يرتكبه من جرائم إبادة جماعية ، وتعذيب وتنكيل بمعارضيه السياسيين خصوصا عناصر الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة الفائز في أول انتخابات ديمقراطية في مصر بعد ثورة يناير التي أطاحت بالرئيس العسكري أيضا حسني مبارك.
ومصطلح إسلام سياسي تستعمله أيضا أنظمة غربية ومفهومه عندها أوسع من المفهوم الذي يعطيه إياه السيسي ، ذلك أنه يقصد به تحديدا خصومه من جماعة الإخوان ، بينما تتوسع الأنظمة الغربية في دلالته ، فهو يعني عندها أولا التنظيم الإجرامي المصنوع مخابراتيا من طرفها والذي يعرف اختصارا باسم " داعش " وهو يتبنى العنف والإرهاب أسلوبا للوصول إلى السلطة باسم الإسلام، وغرضه تشويه دين الله عز وجل من جهة ، ومن جهة أخرى توفير ذريعة للغرب لشن حرب على كل جهة ذات مرجعية إسلامية تريد المشاركة في العمل السياسي ، وفضلا عن دلالة الإسلام السياسي على ذلك التنظيم الإجرامي يطلق أيضا عند الغرب على حركات تحررية مثل حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيتين ، كما يطلق على تنظيمات أخرى بما فيها حركة الإخوان المسلمين ، ويرى الغرب أن المنهل الذي تنهل منه كل هذه التنظيمات واحد ، وأن هدفها هو الرهان على الإسلام باعتباره نظاما سياسيا ينافس النظام السياسي العلماني الغربي.
ويستغل السيسي رفع الغرب العلماني شعار محاربة الإسلام السياسي ليلصق هذه التهمة بخصومه السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين الذين أجهز عليهم بانقلابه الدموي ، وغيب قياداتهم في السجون وحاكم من حاكم منهم وأعدم من أعدم ، ونكل بمن نكل أمام صمت الغرب بل وبدعمه أيضا خصوصا في ظرف التخطيط لما بات يعرف بصفقة القرن التي يراد منها توفير الأمن والسلام للكيان الصهيوني المحتل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني المهجر من وطنه والمسلوبة أرضه. ولما كان لمتزعم الانقلاب يد في هذه الصفقة باعتباره وسيطا بين الفلسطينيين والصهاينة المحتلين ، فإن الغرب يغض الطرف عن سجله الصارخ بانتهاك حقوق الإنسان ، وعن حكمه المستبد كما تشير إلى ذلك العديد من المنظمات الحقوقية الدولية . وتكتفي بعض الأنظمة الغربية بمطالبته بتحسين أوضاع الشعب المصري الحقوقية ، وتسريح خصومه السياسيين المعتقلين ، وإيقاف الأحكام القاسية الصادرة في حق بعضهم دون اعتماد آليات الضغط الفعالة عليه ،الشيء الذي جعله يتمادى في إطلاق يده تنكيلا بهم ، ويزداد طغيانا واستبدادا حيث ازداد عدد المعتقلين بعد الجمعة الماضية على إثر المظاهرات المطالبة برحيله ، ويتوقع أن تزداد تلك الاعتقالات إذا ما وقعت مظاهرات أخرى غدا الجمعة كما أشارت إلى ذلك بعض وسائل الإعلام والتي سيبررها السيسي بمحاربة ما يسميه الإسلام السياسي ، وعودته من جديد إلى مصر وهو يعني به تحديدا جماعة الإخوان المسلمين .
فإلى متى سيظل العالم الغربي الذي ينعت نفسه بالعالم الحر ، و الذي يدعي أنه راعي حقوق الإنسان ملتزما الصمت تجاه حاكم عسكري مستبد ينكل بالشعب المصري ، ويستغل في ذلك ذريعة محاربة الإسلام السياسي للتغطية على جرائمه المدوية ، ولشراء صمت هذا العالم الحر الذي يغض الطرف عن استبداده ؟؟
وسوم: العدد 844