الاستخفاف بمنهج التبيّن القرآني مخالفة شرعية
الاستخفاف بمنهج التبيّن القرآني مخالفة شرعية أولا، فالله سبحانه أمر بالتبيّن في نقل الأنباء فقال: « يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه: (كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع)، وفي هذا قوله سبحانه: «فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون».
لذا كان من نهج الشريعة في نقل الأنباء
*أولا الأناة والرويّة* يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (التأني من الله و العجلة من الشيطان)، والشاعر يقول:
قد يدرك المتأني بعض حاجته....
وقد يكون مع المستعجل الزلل!
*ثانيا التبيّن والتوثيق*
يقول الحسن البصري : "المؤمن وقاف حتى يتبين".
وهذا يقتضي بذل جهد عقلي قبل نقل الخبر، فلا نطير به قبل أن نستوثق منه، والأمر في عصر جوجل أيسر من قبل، فمن شقّ عليه التبيّن فليتأن حتى يصله الخبر من ثبت يثق به، وإن كان بعض الأخيار يستعجلون في وسائل التواصل الاجتماعي وينسخون منها ما هبّ ودبّ أحيانا، خاصة فيما هو ليس من احتصاصهم المباشر! لذا كانت الأناة وعدم نشر المقاطع والمقولات المنسوبة لأعلام بارزين أولى بمن لا يعرف قدرا من ألاعيب الفوتوشوب والمونتاج وفنون التدليس الرقمية..
*ثالثا تقدير عائد الخبر على الناس*
فكم من خبر يشحن الناس طائفيا أو عنصريا أو طبقيا أو سياسيا، ويقودهم لتعصّب مذموم، وتطرّف أعمى، لذا بوّب البخاري في صحيحه بكتاب العلم، باب: تحديث الناس ببعض العلم دون بعض. وقدّمه بحديث علي موقوفا: خاطبوا الناس بما يعقلون، أتحبّون أن يكذّب الله ورسوله؟ وأسند فيه بضع روايات منها حديث الجرابين لأبي هريرة، وحديث معاذ: (وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قلت يا رسول الله: أفلا أبشّر الناس؟ قال: لا تبشّرهم فيتكلوا،
وذكر شارحه في الفتح: وممن كتم بعض العلم ولم يحدّث به: الحسن البصري في حديث العرنيين، وأبو يوسف في الغرائب...
فما كل ما يعلم يقال، فكيف بكل ما يصل دون تبيّن؟!
*رابعا التحقّق من مآل الخبر إن ظهر كذبه على المجتمع أولا، ثم على شخص ناشره*
فكم من خبر أشاع جوّا من الوهم الكاذب رفع الناس للقمة، ثمّ تسبب بكارثة أليمة زلزلت الناس وبلبلتهم، وساقت بعض النفوس الضعيفة نحو دروب الانتحار الاجتماعي والديني بالردة أو الدعشنة أو الضفدعة أو الانتحار الجسدي!
وكل هذا كان وراءه الاستخفاف بمنهج التثبّت، ولا تكبروها وهي صغيرة! وأشباهها من عبارات التعجّل والمجازفة، مع أن نقل الخبر دون تبيّن نوع من الكذب بنصّ الوحيين.
*خامسا كلمة منقول وكتابة مصدر زائف ينسب له الخبر لا يكفي تثبّتا*
فكم من كلام بلا خطام ينسب لوكالات وجامعات ومعاهد أبحاث وشخصيات، بدون دليل على ذلك!
لذا يجب على الناقل التثبّت من المصدر الأصل، فلا ينسب له ما لم يتبينه، ولا ينقل ترجمة لمقطع لا يتأكد من مطابقتها لحقيقة الكلام المترجم.
وسوم: العدد 845