إسرائيل لم تفاجأ بحرب أكتوبر
كلام كثير كتب حول علم إسرائيل مقدما بالهجوم المصري السوري في 6 أكتوبر 1973 أم مفاجأتها به .
ويدخل على هذا الكلام كثير من التضليل المقصود من جهة إسرائيل التي يناسبها أن يقال إنها فوجئت بالهجوم تبريرا لإخفاقات جيشها وخسائره في الأسبوع الأول من الحرب ، لكنها في وثائقها السرية تعرف الحقيقة ، وهي أنها لم تفاجأ . ونرجح بثقة أنها لم تفاجأ اعتمادا على الشواهد والمنطقيات التالية :
أولا : قبل الحرب بأيام طلعت صحيفة "الأهرام " بعنوان رئيس يقول : " إسرائيل تتوقع عملية عسكرية مصرية " ، وألمحت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل يومئذ إلى هذه العملية قائلة إن إسرائيل تعلم ما يخطط له أعداؤها وإنها ستنتصر في أي حرب . ثانيا : المعلومات التي قدمها أشرف مروان لإسرائيل حول الهجوم وموعده دقيقة جدا وإن أحاطها الإسرائيليون دائما بتشويشات أدخلت عليها الغموض والاضطراب إلى درجة التساؤل : هل كان مروان عميلا إسرائيليا خالصا أم عميلا مزدوجا لها ولمصر ؟ والتشويه ونقص الأمانة في الوثائق الإسرائيلية التي يفرج عنها بين حين وآخر ظاهرة مشهورة في تلك الوثائق مثلما ينبه هيكل . ثالثا : ذكر السادات أيام خلافه
مع منظمة التحرير بعد زيارته القدس أنه طلب من مسئول كبير في المنظمة إرسال عدد من الفدائيين الفلسطينيين
للمشاركة في القتال الوشيك البدء وأن ذلك المسئول أفشى سر الطلب _ لدواع قد تتعلق بالعمل لتلبيته ، وفعلا شاركت قوات فلسطينية في القتال في جبهة سيناء _ ولا يعقل ألا تكون إسرائيل وغيرها من الدول الغربية لم تلتقط ما أفشي ، وأين ؟ في لبنان حيث كل مخابرات العالم آذان وعيون مفتوحة . رابعا : مستحيل أن تخطط حرب قاسية التأثير على مصير إسرائيل ولا تعلم بها مخابراتها ومخابرات الدول الغربية وبالذات أميركا ،
وما تعلمه هذه الدول تطلع عليه إسرائيل خاصة ما فيه مس مباشر لها . خامسا : وضع القوات الإسرائيلية الدفاعي _ حتى لا نقول الهجومي _ في سيناء كان في أتم جاهزيته وفاعليته : خط بارليف الملاصق للضفة الشرقية للقناة محصن مجهز بما يمكنه من صد طلائع الهجوم المصري ولو كان مفاجئا ، وقال الخبراء الروس إن القضاء عليه يستدعي ضربه بقنبلة ذرية . وقد عملت إسرائيل في تصميمه على ملافاة عيوب خطوط الدفاع المشهورة مثل ماجينو الفرنسي وسيجفريد الألماني . والخط فوق مناعته الذاتية جزء من شبكة دفاعية أكبر . وبنفس القوة _ مع اختلاف الكيفية طبعا _ كانت خطوط الدفاع التعبوي والاحتياطي والاستراتيجي ، وكل هذا في سيناء ، فكيف تكون الحال متى وصل المدد من إسرائيل ؟ والمعروف أن المدد العسكري الإسرائيلي سريع الوصول إلى أرض القتال . ومع هذا الوضع العسكري الممتاز يأتي تفوق الطيران الإسرائيلي . إن وضعا عسكريا بهذه الكيفية المثالية لا تؤثر فيه مفاجأة الهجوم ، ويزيد من مثاليته سلبيات وضع القوات المصرية التي
تعين عليها عبور القناة التي يشرف عليها خط بارليف إشراف الحاجب على العين . وكان من مهام الخط الدفاعية
فتح أنابيب غاز لنشر اللهب فوق القناة لحرق القوات العابرة التي ستكون أيضا تحت سماء من جحيم قذائف الطائرات
الإسرائيلية . وسدت وحدات مصرية تلك الأنابيب سرا قبل العبور ، ولا نعرف كيف تم ذلك فالأمر صعب وخطر . أما سماء الجحيم فقد بسطتها الطائرات الإسرائيلية فوق القوات المصرية العابرة ، لكنها واصلت تدفقها البطولي الهادر
لتشرق شمس الأحد السابع من أكتوبر على رأس جسر مصري شرقي القناة من خمسين ألف جندي في نجاح نادر
في تاريخ الحروب . إذن المفاجأة ليست واردة من حيث غياب المعلومات ومن حيث الوضع العسكري الإسرائيلي ، فلم كثرة الكلام عنها ؟ مثلما قلنا : تبريرا لإخفاقات القوات الإسرائيلية وخسائرها في الأسبوع الأول
من الحرب ، وتبريرا للإنجاز العسكري العربي _ للتقليل من قيمته _ باعتباره نتيجة المفاجأة لا نتيجة الأداء القتالي الجيد والبطولة ، والاثنان الأداء والبطولة ، كانا حقيقة وراء ذلك الإنجاز . وشواهد الاثنين بلا عد :
وفي إيجاز نذكر : مروحية مصرية أسقطت فانتوم إسرائيلية ، وفي الجبهة السورية صدت ثلاثة ألوية سورية
هجوم ستة ألوية إسرائيلية معززة بدعم جوي مكثف . وحديث حرب أكتوبر في ذكراها السادسة
والأربعين يفرض السؤال : ما حال جيوش العرب اليوم ؟ التردي المروع للحال يغني عن جواب السؤال .
وسوم: العدد 845