أردوغان يواجه مؤامرة التوريط في المستنقع السوري بعد مؤامرة الانقلاب العسكري
أردوغان يواجه مؤامرة التوريط في المستنقع السوري بعد مؤامرة الانقلاب العسكري ومؤامرة استهداف العملة التركية ومؤامرة المهاجرين
تساءلت بعض وسائل الإعلام الدولية هل قدمت الإدارة الأمريكية بقرار سحب قواتها من شمال سوريا هدية مسمومة لأردوغان ؟ وهو تساءل له ما يبرره باعتبار الرئيس التركي هو أكثر رؤساء العالم استهدافا من طرف هذه الإدارة ومن طرف من يدور في فلكها من دول أوروبية ، وبعض دول منطقة الشرق الأوسط ،وقد تأكد ذلك من خلال مؤامرة الانقلاب العسكري عليه والتي أحبطها التفاف الشعب التركي على اختلاف أطيافه السياسية حوله، ومباشرة بعد تلك جاءت مؤامرة أخرى استهدفت العملة التركية لتقويض شعبيته لدى شعبه ، ثم مؤامرة هجرة المهاجرين الفارين من الحروب المسعرة في المنطقة ، ولهذا لا يستبعد أن يكون قرار الإدارة الأمريكية مؤامرة جديدة لتوريطه في المستنقع السوري حيث استنبتت تلك الإدارة هي وحلفاؤها الغربيون عصابات داعش الإجرامية التي تتبنى العنف باسم الإسلام بغرض تشويهه من جهة ، ومن جهة أخرى بغرض توفير ذريعة ملاحقة الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، وهي ذريعة ما يسمى بمحاربة الإسلام السياسي الذي يعني في نهاية المطاف بالنسبة للغرب بزعامة الولايات المتحدة محاربة أسلوب أردوغان السياسي المقلق للغرب .
وتسميم الهدايا أسلوب معروف تاريخيا وذلك لتصفية الخصوم بطريقة غير مباشرة كما سجل تاريخنا العربي حكاية تسميم ملك الروم الأمير والشاعر العربي امرأ القيس حين التحق به طالبا مساندته لاسترجاع ملك أبيه الضائع في مملكة كندة العربية ، فخلع عليه حلة مسمومة قرّحت جسده فمات بسببها ،ولذلك سمي بذي القروح .
ولا شك أن هدية الرئيس الأمريكي للرئيس التركي بقراره سحب قوات العسكرية من شمال سوريا هدية مسمومة تريد القضاء عليه بتوريطه في مستنقع حرب تستنزف اقتصاده ، وتؤلب عليه شعبه خصوصا المعارضة الكردية الداخلية المساندة لحزب العمال الكردستاني ، فضلا عن التيار العلماني الذي ايستفيد من سياسة أردوغان الناجحة اقتصاديا ،وعليه ينطبق قول:" يأكل الغلة ويسب الملة " .
وإذا كانت المخابرات الغربية قد صنعت عصابات داعش الإجرامية في الساحتين العراقية والسورية لتبرير تدخلها فيهما وخلق الواقع السياسي الذي تريده ، فإنها لن تتردد في تزويد المعارضة الكردية بالأسلحة لخلق المتاعب لأردوغان ولاستنزاف قوته العسكرية والاقتصادية والإطاحة به بعد فشل محاولات النيل منه عن طريق الانقلاب العسكري ، وعن طريق استهداف عملته واقتصاده، وعن طريق إغراق بلاده بأمواج المهاجرين الفارين من جحيم الحروب في المنطقة .
والغريب أن الرئيس الأمريكي قد برر سحب قواته من شمال سوريا بالقول أنه لا يرغب في خوض حروب سماها عبثية ومكلفة ، وانتقد الصين وروسيا اللتين رفضتا سحبه قوته العسكرية، واتهمهما بأنهما يريدان توريطه في حرب استنزاف، فكيف يعقل أن ينسحب حكم حرب الاستنزاف على ترامب، ولا ينسحب على أردوغان ؟
إن أردوغان لا مناص له من التصرف بأكبر قدر من الحكمة وبعد النظر، وما ذلك عليه بعزيز لحنكته السياسية ، وذلك لينجو مرة أخرى من هذه المؤامرات المتتالية المحبوكة الخيوط والمكشوفة ،وعليه أن يحمي حدود بلاده دون أن يستدرج إلى داخل العمق السوري حيث سيوفر النظام السوري الملاذ والتسليح لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبر حربه مع أردوغان ورقة رابحة بالنسبة إليه.
ومما يدعو إلى لشك في موقف سحب الإدارة الأمريكية قوتها العسكرية شمال سوريا هو تغيير سياستها من خلال السعي للتحاور مع الحوثيين ، والحوار مع حركة طالبان ، وهو أمر لا نستغربه لأن شعارها هو المصالح الدائمة وليست الصداقات أو العدوات الدائمة كما صرح بذلك الرئيس الأسبق بوش حين غزا العراق وأفغانستان .
ويبدو أن الفيلم الأمريكي الحاصل على الأوسكار والذي عنوانه " نائب الرئيس " أو " النائب " والذي يصور قصة وصول ديك تشيني العربيد إلى مركز صنع القرار حيث كان هو مهندس حرب أفغانستان وحرب العراق يمثل صورة حقيقية معبرة عن سياسة الإدارة الأمريكية حيث يقف وراء قراراتها بما فيها تحركاتها العسكرية في العالم شخصيات لوبية نافذة تتحكم في صنع القرار بالتحكم في رؤساء يتناوبون على السلطة ولكنهم لا يقدمون ولا يؤخرون شيئا بل يطبقون ما يملى عليهم . وإذا كان ديك تشيني ورامسفيد حسب قصة ذلك الفيلم قد تحكما في قرارات بوش ، فإنه أكثر من المحتمل أن يكون وراء الرئيس ترامب من يتحكم في قراراته ، وأنه لن يكشف الستار عن ذلك إلا بعد مغادرته البيت الأبيض ليصور ذلك في فيلم جديد تحن عنوان " الرئيس " أو شيء من هذا القبيل نظرا لطبيعة شخصية ترامب المثيرة للاستغراب بسبب مواقفه المضطربة والمتناقضة حيث يلوح من جهة بالمواجهة ويهدد ويتوعد ، ومن جهة أخرى يعبر عن رغبته في لقاء من يتوعدهم ويهددهم ، ويساند من جهة ويتعهد بالحماية ، ومن جهة أخرى يتخلى عما تعهد لهم بذلك ، ويترك من ورطهم في ما سماه حروب عبثية يواجهون مصيرهم وحدهم .
إن سياسة الولايات المتحدة السينمائية على طريقة أفلام هوليود هي سبب ما يحدث في العالم من كوارث واضطرابات ومشاكل بل معضلات ، ولهذا لا يمكن الثقة في أي قرار يصدر عن الإدارة الأمريكية ذات المصالح الدائمة . ومما يؤكد تلك المصالح الدائمة هو ابتزاز ترامب الأنظمة الخليجية على طريقة أبطال أفلام رعاة البقر، الشيء الذي يعني أن مصلحته هي توفير المال لبلده أو لمشاريعه ولماذا لا؟ والأموال الخليجية في حكم السائبة ، والمال السائب يعلم السرقة كما يقال.
ونريد أن تختم بالقول إن استنبات الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي هو السبب في استباحة هذا الوطن إلى جانب غناه ومقدراته الاقتصادية ، وهو السبب في تدخل قوات أجنبية فيه لتدير فوق أراضيه ما سماه ترامب حروبا عبثيا تستغلها تلك القوات الأجنبية لتحقيق مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى .
فمتى ستفيق الشعوب العربية من سباتها العميق ؟ ومتى سيقيض لها الله عز وجل من يحسن سياستها لتتخلص من الابتزاز ومن التدخل في شؤونها ، ومن إضرام نيران الحروب العبثية على حد وصف ترامب فوق أراضيها ؟
وسوم: العدد 845