ماهي ضمانة تنفيذ حقوق الموظفين الحكوميين في ضوء قرار (315 لسنة 2019)
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
هناك مجموعة من القوانين والتعليمات، والأنظمة والقرارات، تنظم العلاقة بين الموظف في القطاع العام (الموظف الحكومي) وبين المؤسسة العمومية (الحكومية) التي يعمل بها، مثل قانون الخدمة المدنية (24 لسنة 1960) المعدل، وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام (14 لسنة 1991) المعدل، وقانون الملاك ( 25 لسنة 1960 ) المعدل، وقواعد السلوك الخاصة بموظفي الدولة والقطاع العام ومنتسبي القطاع المختلط لسنة 2006، وقانون العجز الصحي للموظفين (11 لسنة 1999) وقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام (22 لسنة 2008) وقانون التقاعد الموحد (27 لسنة 2006) المعدل.
هذا فضلا عن القرارات الوزارية والإدارية الصادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل، ومجلس الوزراء، والوزارات، والمحاكم الإدارية المتخصصة التي تفصل في تنظيم تلك العلاقة، وتعالج المشكلات والمعوقات التي تظهر في أثناء ذلك.
ولكن مع كثرة القوانين وتعليماتها، والقرارات وضوابطها التي تنظم الوظيفة العامة في العراق؛ يجد المشرع العراقي أنه بحاجة دائمة إلى إصدار قرارات عن مجلس الوزراء؛ لمعالجة الظواهر المستجدة في إطار الوظيفة العامة، بحسب السياسات الحكومية، لاسيما البرنامج الحكومي.
ولعل أهم هذه القضايا المستجدة التي لم تعالجها القوانين والقرارات السابقة، أو عولجت جزئيا، هي قضية الأعداد الكبيرة من الموظفين العموميين التي تكتظ بها الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات، والتي تأخذ نصيبا وافرا من موازنة الدولة المالية السنوية، مقابل أداء أعمال روتينية، لا ترتقي إلى مستوى الخدمات التي يمكن أن يقدمها هذا الموظف نفسه في مؤسسات القطاع الخاص، مضافا إلى حاجة الدولة إلى تنظيم عملية تشغيل المواطنين في الوظيفة العامة، بطريقة تضمن حقوق الموظف الحكومي من جهة، وتضمن حقوق المؤسسة الحكومية من جهة ثانية.
لذلك؛ يٌعد قرار مجلس الوزراء (315 لسنة 2019) الصادر في 8/9/2019، نقلة مهمة جدا في التشريعات العراقية، القديمة والحديثة، فيما يتعلق بمعالجة موضوع الموظفين الحكوميين. سواء من حيث الحقوق والواجبات، أم من حيث الأهداف والغايات التي تسعى إليها الدولة لمعالجة ملف الموظفين الحكوميين الذين أضحوا عبئا ثقيلا على كاهل الدولة وموازناتها المالية السنوية. وأيضا من أجل تفعيل دور القطاع الخاص في علميات الإنتاج والتنمية المستدامة.
إذ أن المعروف أن الموظفين الحكوميين من جهة التعاقد مع الدولة هم ثلاث فئات:
1-الموظفون الدائمون؛ وهؤلاء يتمتعون بالحقوق والواجبات كاملة .
2- الموظفون المتعاقدون؛ وهؤلاء يتمتعون ببعض الحقوق والواجبات على وفق العقد المبرم بين المؤسسة الحكومية والموظف بعقد.
3- الموظفون بأجر يومي؛ وهؤلاء يتمتعون بالحقوق والواجبات التي ينص عليها عقد العمل بأجر، وهي تقتصر -غالبا- على أجر يومي، مقابل عمل لساعات محدودة.
هذا القرار، أي قرار (315 لسنة 2019) لم يلغ آليات التعامل والتعاقد مع الفئات الثلاثة المذكورة، إنما هو ينظم بطريقة جديدة حقوق وواجبات الموظفين الحكوميين، ولكنه يركز-على خلاف كل القوانين والقرارات- على فئة الثانية (الموظفين المتعاقدين) من حيث منح الحقوق والامتيازات دون الفئة الأولى (الموظفين الدائمين) والفئة الثالثة (الموظفين العاملين بأجر).
فهو من جهة؛ يٌلزم الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات بتحويل جميع موظفين الفئة الثالثة (الموظفين العاملين بأجر) ممن مضى على تشغيلهم بأجر سنة أو أكثر إلى موظفين من الفئة الثانية (موظفين متعاقدين) ويمنع المؤسسات الحكومية كافة من التعيين بصفة (إجراء يومين) إلا على وفق استمارات تشغيل جديدة.
كما ألزم هذه المؤسسات بعدم تشغيل متعاقدين أو أجراء يوميين جدد لإعمال يمكن أن تٌعلن للقطاع الخاص، بصفة مقاولة عامة مثل: (تنظيف الشوارع والمدارس، والمستشفيات والدوائر، واستدامة الحدائق العامة وتطويرها، وصيانة وتطوير الطرق العامة الخارجية بين المحافظات ...).
ومن جهة ثانية؛ يشجع هذا القرار موظفين الفئة الأولى (الموظفين الدائمين) ويحثهم إلى تحويل صفتهم من (موظفين دائمين) إلى (موظفين بعقود) أو أن يتقدموا بطلب (الإحالة إلى التقاعد) مقابل حزمة حقوق وامتيازات، لم يحصلوا عليها من ذي قبل كموظفين دائمين. حيث سمح القرار للموظفين على الملاك الدائم، بموافقة دوائرهم، من غير الأطباء، وأستاذة الجامعات بالإحالة إلى التقاعد، شرط أن تكون لديهم خدمة وظيفية فعلية (15) سنة فأكثر، دون تقييد أعمارهم بـ(50) سنة. وأيضا السماح للموظفين على الملاك الدائم بالتحول إلى (موظفين عقود) ممن أعمارهم دون (55) سنة.
ووضع هذا القرار لكل موظف يحال إلى التقاعد، أو يغير صفته من موظف دائم إلى موظف بعقد مجموعة من الحقوق والامتيازات الآتية:
أولا- صرف حقوقهم التقاعدية استثناء من أحكام المادة (21/أولا) من قانون التقاعد الموحد (9 لسنة 214).
ثانيا- منحهم قطعة أرض بمساحة (300) متر مربع في مراكز المدن، و(350) متر ربع في الأقضية والنواحي، على أن لا يكون مستفيدا سابقا، و(200) متر ربع للمستفيد سابقا، ولمرة واحدة فقط.
ثالثا- منحهم قرضا بمقدار (200) راتب أسمي، وبنسبة فائدة لا تزيد عن (4%) من المصارف الموطنة رواتبهم فيها.
رابعا- منحهم مكافأة تعادل كامل الراتب والمخصصات للسنتين الأخيرتين، شرط أن تتوافر التخصيصات المالية.
رابعا- منحهم قرضا من المصرف العقاري لغرض البناء أو شراء دار.
خامسا- زيادة الرواتب التقاعدية بنسبة (10%) من راتبهم الاسمي على أن يدفع المستفيد فروقات التوقيفات التقاعدية.
كما منح القرار الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات تضمين العقود التي تجريها مع الأجراء اليومين أو مع الموظفين الدائمين، الذين يرغبون بالعمل في دوائر الدولة بصفة عقد، ما يأتي:
1. العمل في القطاع الخاص على أن لا يترتب على ذلك تضارب بين الجهات التي يعمل بها.
2. إكمال الدراسة الأولية والعليا، على أن لا يتعارض مع ساعات العمل المحددة.
3. حق منح إجازة دراسية لغرض تطوير عمل الدائرة بما ينسجم وحاجة الدائرة لتخصصه.
4. إيفاد المتعاقد والسماح له برئاسة اللجان والمناصب التنفيذية باستثناء الدرجات العليا.
5. الاستمرار بصرف راتب المتعاقد، لمدة شهرين، عند فسخ العقد لأسباب غير متعلقة به.
6. ربط الأجر الذي يتقاضاه المتعاقد بمهاراته وكفاءاته الفنية، ومؤشر الإنتاجية والخدمة المقدمة.
7. شمول المتعاقد بالامتيازات والحقوق التي يحصل عليها الموظف على الملاك الدائر، مثل: القروض، وقطع الأراضي السكنية، والكفالة، والدورات التدريبية، والمكافأة، وغيرها.
كما تعطى الأولوية للمشمولين بهذا القرار في التعيين على الملاك الدائم، بحسب الأقدمية في تاريخ المباشرة، والحاجة، والاختصاص. وقد كلف القرار كل من وزارة المالية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية إعداد الضوابط والتعليمات، ومراجعتها كل ستة أشهر.
وعلى الرغم من أن قرار مجلس الوزراء (315 لسنة 2019) هو قرار مختلف عن القرارات الأخرى، من حيث طبيعة الحقوق والامتيازات التي سيحصل عليها كل من الفئات الثلاثة، وبالتحديد الموظفين الدائمين الراغبين بالإحالة إلى التقاعد، ولكن هناك الكثير من الملحوظات والمؤاخذات على هذا القرار، منها على سبيل المثال:
1. إن القرار المذكور رهن بعض الحقوق والامتيازات التي ينبغي أن يحصل عليها الموظف بالمؤسسة الحكومية نفسها، مثل: (حق الإحالة إلى التقاعد) ولم يشرع ضوابط اتحادية ملزمة للجميع، بل تركها عرضة لرأي رئيس المؤسسة، ومعروف لدى صانع القرار أن العديد من قرارات مجلس الوزراء مازالت معطلة بسبب ذلك.
2. إن القرار المذكور لم يكن قرارا شاملا لكل فئات الموظفين، بل استثناء منهم الأطباء وأستاذة الجامعات، ومن لم يكن له خدمة (15) سنة، أو كان عمره (55) سنة أو أكثر.
3. إن القرار المذكور رهن بعض الحقوق والامتيازات بالوفرة المالية، وهذا يعني أن الموظف لم يحصل على هذه الحقوق من الناحية العملية أبدا، بسبب شرط الوفرة المالية، لأن الموازنة الاتحادية العامة عاجزة دائما.
4. لم يتضمن القرار المذكور أي إلزام للمؤسسات المصرفية، ولن يتضمن أي إلزام؛ وذلك لأن المصارف شركات عامة لها تمويل ذاتي، وهي كثيرا ما تمتنع أو ترفض تطبيق القوانين والقرارات لهذا السبب.
5. لم يحدد القرار المدد اللازمة لتنفيذ هذه الحقوق والامتيازات، وماذا لو لم يحصل الموظف المحال إلى التقاعد أو الموظف الذي غير صفته إلى موظف عقد، على حقوقه، هل يحق لها العودة إلى وظيفته أم لا؟
6 . لم يتضمن القرار أي عقوبات للمؤسسة الحكومية، أو المسؤول الحكومي، أو الموظف الحكومي في حال أمتنع أو قصر في تسهيل إجراءات هذه الحقوق والامتيازات.
نعم، عزيزي المشرع، بواقعية أكثر، إن الحقوق التقاعدية المنصوص عليها في هذا القرار ستعطلها هيئة التقاعد حتما، لسبب وجيه جدا، وهو (لا يوجد لديها أموال) وإن المكافأة المالية ستعطلها وزارة المالية حتما لسبب وجيه جدا، وهو( لا توجد وفرة مالية) وإن حق الحصول الأرض ستعطلها البلدية حتما لسبب وجيه جدا، وهو (لا توجد أرض مناسبة) وإن حق القروض المالية ستعطلها المصارف حتما لسبب وجيه جدا، وهو (أن المصارف شركات عامة ممولة ذاتيا وهي غير ملزمة بهذا القرار) وإن حقوق العمل في القطاع الخاص والإجازات والدراسات وغيرها سيعطلها الرئيس الأعلى حتما لسبب وجيه أيضا (أن المؤسسة ليست بحاجة إلى خدماته).
وللأسف كل ذلك قد حدث في تطبيق قرارات مجلس الوزراء السابقة، لاسيما قوانين الشهداء والسجناء وذوي الاحتياجات الخاصة، وذوي الدخل المحدود، فأي ضمانة تقدمها-يا صانع القرار- لتطبيق هذا القرار؟ فلو ضمنت -على نحو الواقع- تنفيذ هذه الحقوق حتما، بمدد محددة، سأتضمن مغادرة نصف الموظفين الحكوميين من دوائرهم قطعا أو يزيدون، فهل من ضمانة حقيقية، أم هو قرار مثل باقي القرارات المعطلة؟
وسوم: العدد 852