جريمة أن ترفع علم فلسطين في مصر!
شاهد العالم استفتاء شعبيّا حيّا خلال مباراة منتخب مصر للشباب مع نظيره الجنوب أفريقي قبل أيام حين تعاطف الجمهور وبعض اللاعبين، بشكل مؤثر مع الفلسطينيين المحاصرين في غزّة والذين تعرّضوا لعدوان إسرائيلي جديد دموي انتقاما من رد فصيل فلسطيني على اغتيال تل أبيب لأحد قادته.
خلال هذه الواقعة قام اللاعبان المصريان أسامة جلال ومصطفى محمد بوضع يديهما على عينيهما تضامنا مع الصحافي الفلسطيني معاذ عمارنة الذي فقد إحدى عينيه برصاصة مطاطية أطلقتها قوات الجيش الإسرائيلي، كما هتف الجمهور الذي حضر المباراة بعفوية «بالروح بالدم نفديك يا فلسطين».
غير أن الحدث «الفاضح» في المباراة كان هجوم ما لا يقل عن عشرة من رجال الأمن بالزي المدني على واحد من الجمهور بعد رفعه علما فلسطينيا واعتقاله، وهو ما دفع كثيرين في المدرج للصياح بصوت واحد «سيبه» (أتركه)، كما دفع الآلاف إلى التعليق في وسائل التواصل الاجتماعي عن كيف تحوّل التعاطف مع الفلسطينيين إلى جريمة وخصوصا في الوقت الذي فيه نساؤها وأطفالها ورجالها يُقتلون.
يشير الحدث إلى هذا الفارق النوعيّ بين الشعب المصري ونظامه السياسي، فالأول يتألم لمصائب جيرانه الفلسطينيين ويشعر بوجعهم، فيما يرتعب النظام وأجهزة أمنه من هذا التعاطف، وإذا لم يكن قادرا على منع اللاعبين من إظهار تعاطفهم، أو منع عدد كبير من الناس من الهتاف لفلسطين، فالحل أن تقوم المجموعة المتحمسة من رجال أمنه للفتك بالمواطنين باستفراد أحدهم لعلّ الآخرين يرعوون ويكفون عن «جريمة» التعاطف مع الفلسطينيين وكره الإسرائيليين.
أحد الناشطين علّق على الحادثة بالقول إن «الواحد خايف يحرق علم إسرائيل فيُحاكم بتهمة إهانة أقارب السيسي»، والحقيقة أن هذا التعليق الفكه يقترب، من حيث لا يدري، إلى المنطق الذي يظهر أنه يحرّك فعلا أولئك الموتورين والغاضبي الوجوه الذين هجموا كالذئاب على حامل الراية، فرغم اعتبار الشعوب العربية، لا المصريين فحسب، أن التعاطف مع الفلسطينيين واجب أخلاقي وهو أمر يبدو للكثيرين عادياً إلى درجة تجعله فوق السياسة، فإن تصرّفات الأنظمة وأجهزة أمنها الكاسرة تشعر الناس بوجود ذاك الرابط بين الحكام العرب وإسرائيل.
يبدأ الأمر من كون هذه الأنظمة تفهم السلطة باعتبارها احتلالا وتغلّبا وسحق القويّ للضعيف، وبالتالي فإن مشاعر مسؤوليها وأجهزة أمنها تجاه مواطنيهم، هي أقرب لمشاعر الاحتلال الإسرائيلي من الفلسطينيين، وبالتالي فإن أي تعاطف مع الفلسطينيين، سيُفهم مباشرة، كما فعل ضابط الأمن المصري المذكور، باعتباره انتقادا لسلطة الفئة الحاكمة، وتلميحا إلى «احتلالها» هي أيضا لسلطتها، واستعدادها للقتل والبطش والقمع ضد مواطنيها، حفاظا على «احتلالها»، باستثناء، ربما، أن الدولة العبرية لا تعتبر الفلسطينيين من مواطنيها كما تزعم تلك الأنظمة العربية حين تتحدث عن الاستقلال والسيادة والوطن، وما غضبة رجال الأمن أولئك إلا مثال بسيط على ذلك.
وسوم: العدد 852