ميداس السودان: خط «الدعم السريع» بين الخرطوم ودبي!
كشف تحقيق استقصائي لثلاثة من صحافيي وكالة رويترز كيف أطلق الرئيس السوداني المعزول عمر حسن البشير يد مساعده محمد حمدان دقلو قائد «قوات الدعم السريع» ببيع الذهب، أغلى مورد طبيعي في السودان، عن طريق شركة تملكها أسرته، التي كانت تتجاوز البنك المركزي أو تبيعه أحيانا بسعر تفضيلي، مبينة، عبر وثائق من فواتير الطيران وقسائم الدفع أنه خلال أربعة أسابيع من نهاية العام الماضي أرسلت الشركة ما قيمته نحو 30 مليون دولار من سبائك الذهب إلى دبي وهو ما يزن قرابة طن، وهناك مسؤولون حكوميون يزعمون أنه لا توجد سجلات رسمية تثبت أن هذه الشركة تدفع أموالا للدولة، وأن الأموال استخدمت لشراء أسلحة للقوات، وهو ما يفسر سيارات الدفع الرباعي المزودة بقذائف صاروخية ومدافع رشاشة.
نتج عن هذه «العلاقة الخاصة» بين الرئيس وقائد الميليشيا لقب (حميدتي أي «من يحميني») الذي أطلقه البشير على مساعده، وقد زوّدت (حميدتي) بسلاحين كبيرين أعطياه نوعا من «الاستقلالية» العسكرية والماديّة المتقصدة لإرهاب الأصدقاء (من ضباط الجيش السوداني الكبار) أو الخصوم، من المعارضين للبشير، ولكنّ هذه «الاستقلالية» انقلبت، حين جاءت اللحظة المناسبة، إلى أداة «حميدتي» لمحاولة الصعود إلى قمة السودان بدلا من رئيسه.
تشرح ابتسامة «حميدتي» الدائمة، ربّما، الوضعيّة الساخرة لهذا الصعود الغريب لقائد ميليشيات «الجنجويد» المتهمة بقتل مئات الآلاف من البشر في إقليم دارفور (وهي اتهامات أدّت إلى أحكام لمحكمة الجنايات الدولية ضد البشير بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية)، كما تشرح أيضا موقفه الذي عبّر، خلال الاحتجاجات، عن تعاطفه مع المحتجين، منتقدا المسؤولين الفاسدين «الذين يأخذون ما ليس من حقهم»، في الوقت الذي كان يسيطر على مناجم جبل عامر لاستخراج الذهب، وكانت «مجموعة الجنيد» التي يملكها شقيقه، تبيع ذهب السودان للإمارات، وكانت «قوات الدعم السريع» تقبض أيضا عشرات الملايين من الرياض وأبو ظبي لقاء مشاركة الآلاف من عناصرها في الحرب الدائرة في اليمن، من دون أن ننسى الأنباء الأخرى التي تتحدث عن استخدامهم أيضا في الحرب الدائرة في ليبيا، مع الجنرال خليفة حفتر، مقابل جعالة ماديّة يفترض أن يدفعها رعاة الجنرال الخليجيون.
«قوات الدعم السريع» هي العتلة التي تحافظ على مركز حميدتي داخل السلطة الحاكمة عبر انتشارها في أنحاء السودان لحماية مناجم الذهب والمباني الاستراتيجية، وكذلك على غطائه العربيّ الذي تمثله الإمارات والسعودية، وذلك عبر قتال أفرادها في اليمن ليبيا، وبذلك تجتمع المكاسب المالية والسياسية ولا تنفصل صفقات الذهب عن صفقات توريد الجنود.
يذكّر حميدتي، في وضعه الحالي، بالأسطورة الإغريقية حول الملك ميداس الذي كان يقلب كل ما يلمسه ذهبا لكنّه في النهاية مات من الجوع لأن الذهب لا يؤكل، فدور قوات حميدتي فيما يسمى «مجزرة القيادة العامة» في 3 حزيران/يونيو الماضي معروف، كما أن دورها الشاذ الذي يجعل منها جيشا موازيا ودولة داخل الدولة، وانفضاح الفساد الذي يرافق سيطرتها على مصادر الثروة، كلّها أمور يجب أن تنتهي كي تتمكن الدولة السودانية من الاستقلال والخروج من وطأة تهم الإرهاب والفساد.
أصدرت وزارة العدل السوداني مذكرة بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2016 تقر بعدم دستورية «قانون قوات الدعم السريع» لكنّ القانون هو آخر ما يؤخذ به في السودان حين يتعلق الأمر بحميدتي وقوّاته، وهو ما يعني وجود جيشين في البلاد، كما يعني أن أي إنجازات تقوم بها الحكومة الانتقالية ستكون قابلة للنقض، من داخل السودان، وربما من دبي!
وسوم: العدد 853